الصين الجار المؤذى.. هضبة التبت وهيمنة الصين على مواردها المائية

 هضبة التبت – الهيمالايا، تشينغهاى التبت - سقف العالم تبلغ مساحتها نحو 2,5 مليون كم2 ومتوسط ارتفاعها نحو ( 4500 ) م ، وتشمل الهضبة معظم منطقت التبت ذاتية الحكم، وشمال غرب مقاطعة يونان الصينية، وجزء من غرب سيشوان وجنوب قانسو وتشينغهاى وجزء من غرب الصين، وشمال الهند ونيبال وبوتان. وهي غنية بالموارد الطبيعية والمياه العذبة، حيث ينبع منها العديد من الأنهار الهامة في آسيا (براهما بوترا، الجانج، السند، سالوين، إيراوادى، ميكونج، يانجستى) والتي تستمد مياهها من ذوبان الجليد والينابيع الجبلية وآلاف الأنهار الجليدية والأمطار التي يبلغ معدلها السنوي ما بين 100 -300 ملم وتسقط على شكل برد، وتوفر تلك الأنهار المياه العذبة اللازمة للزراعة والشرب لنحو (1,8) مليار نسمة في العديد من الدول. ولعل ذلك من أسباب احتلال الصين لمنطقة التبت ونزاعاتها الحدودية مع جارتها الأهم الهند وذلك لتوسيع واستقرار مناطق هيمنتها في هضبة التبت.

 تستنزف الصين وتتحكم في موارد المياه في التبت وتستخدم المياه كسلاح للإخضاع وخنق الاقتصاد والهيمنة على موارد المياه بإنشاء السدود التي تتحكم في الكميات المنصرفة من  مياه الأنهار العابرة للحدود الدولية دون احترام للاتفاقيات الدولية المنظمة لهذا الشأن، وتحويل مجرى الأنهار، ولم يسلم من أذى الصين كافة جيرانها الثمانية عشر حتى ذوى العلاقات الجيدة بها مثل : تايلاند، لاوس، كمبوديا،، نيبال، قازاقستان، كوريا الشمالية، باكستان، فالمصلحة الذاتية للصين فوق أي اعتبار، والصلف والغطرسة والانتهازية سمة مميزة لساسة وسياسة الحزب الشيوعى الصينى.

 بلغ عدد السدود على نهر الميكونج الذي ينبع من هضبة التبت في الصين أحد عشر سدا تتحكم بها الصين في مياه النهر الذى يبلغ طوله 4350كم ويمرعبر العديد من الدول ميانمار، لاوس، تايلاند، كمبوديا، فيتنام، ويصب في بحر الصين الجنوبى، وتعتمد هذه الدول على مياه الميكونج بصفة أساسية للزراعة وبالأخص الأرز وكذلك صيد الأسماك والتجارة، غير أن سدود الصين واستنزافها لمياه النهر دون ضوابط قد أدت إلى إرباك الحياة الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول.

تنوى الصين بناء سدا ضخما على نهر براهما بوترا (أسام = براديش = يارلونج تسانجبو) الذي ينبع من على ارتفاع 5000م غرب منطقة التبت ذاتية الحكم والتي تحتلها الصين منذ عام 1950م   رغم اعتراض التبتيون الذين يقدسون النهر ولم يبنوا أية سدود على النهر، وهذا النهر يمر عبر الهند إلى بنجلادييش صديقة الصين ويمثل أكبر مورد للمياه العذبة لها. وتسبب أنشطة الصين على النهر – تشغل الصين حاليا على النهر عشرة سدود – في تقليل كميات المياه الواردة للهند التي يصلها من مياه أنهار هضبة التبت نحو 359 مليار م3 سنويا؛ كما حجبت الصين بيانات حالة فيضان النهر عن الهند عقب الاشتباكات الحدودية بينهما مما أدى  إحداث أضرار كبيرة عقب فيضانات مفاجئة ضربت ولايتى أورنتشال، وهيمانتشال الهنديتان، كما تسببت في تحويل مياه رافده الأساسى نهر سيانج إلى مياه قذرة غير صالحة للاستخدام عند دخولها الهند منذ عام 2017م. وأيضا حولت الصين مجرى نهر شيابوك أحد روافد براهما بوترا عن مساره إلى الهند، وكذلك نهر جالوان أحد روافد نهر السند والذى ينبع من منطقة أكساى تشين المتنازع عليها.

السد المقترح سيكون من أكبر السدود في العالم وربما يتفوق على سد الخوانق الثلاثة على نهر اليانجستى في الصين، وسيولد 60 جيجا وات، ويقع السد في وادي نهر براهما بوترا على بعد 30 كم من الحدود الهندية وعلى ارتفاع 1500م والسد سيقام على منطقة زلزالية تهدد سلامته.

سيؤدى السد إلى إغراق مناطق واسعة في منطقة التبت وتهجير سكانها، كما سيؤدى لجلب وتوطين آلاف العمال الهان في منطقة التبت قليلة السكان وسيدعم ذلك محاولات الصين لتغيير التركيب السكانى بالمنطقة. كما سيؤدى السد لوقف تدفق الطمى الخصب للأراضى أسفل النهر، وسيؤثر على الثروة السمكية. كذلك ستتأثر بشدة إمدادات المياه العذبة للعديد من المناطق في الهند وبنجلاديش المتضرر الأكبر من ضعف إمدادات المياه العذبة التي يجلبها النهر وقد يدفع ذلك ملايين البنغال للهجرة للهند وغيرها من البلدان المجاورة؛ أما إذا انهار السد فسيهلك ملايين البشر على طول امتداده وعند مصبه.

وبلا شك سيكون السد ورقة ضغط سياسى واقتصادى في يد الصين في مواجهة عدوتها اللدود الهند، وللتحكم في إذكاء الصراع أو تأجيلة للوقت الذي يريده قادة الحزب الشيوعى الصينى المتغطرس.

 

د/ عزالدين الوردانى 

كاتب متخصص في شؤون تركستان الشرقية