في 15 يناير 2014، تم القبض رسميًا على الأكاديمي والناشط الأويغوري إلهام توختي من قبل السلطات الصينية. 23 سبتمبر من العام نفسه، حُكم عليه بالسجن المؤبد بـتهمة "الانفصالية".
أعاد اعتقال إلهام توختي قضية الأويغور إلى الساحة الدولية، والتي تجاهلتها الصين لسنوات عديدة بشكل متعمد. السلطات الصينية لم ترغب في قبول اقتراح إلهام توختي تجاه حل قضية الأويغور سلمياً ومطالبته التعايش السلمي بين الشعوب المسلمة والهان الصينيين في تركستان الشرقية. وبالفعل، فإن أولئك الذين تصفهم الصين على أنهم "إرهابيون" و "انفصاليون" و"متطرفون دينيون" لسنوات طويلة، ليسوا في الواقع إلا "شعب من الأتراك المسلمين مسالمين في وطنهم"، وهم أصحاب هذه الأرض التي تحتلها الصين منذ1949م وتسميها "منطقة شينجيانغ الأويغور المتمتعة بالحكم الذاتي" يطالبون بحقوقهم.
ظهور إلهام توختي على الساحة مزق قناع الصين الزائف للعبة "القوى الثلاث". إن لعبة "القوى الثلاث" التي تعمل الصين جاهدة على الترويج لها هي في الأساس لتشويه النضال ضد انتهاك حقوق الإنسان من قبل الصين تحت ستار "القوى الثلاث".
إذن، كيف أسقط إلهام توختي افتراء الصين "القوى الثلاث" ضد شعب الأويغور؟
مرت الأسباب الكامنة وراء اتهام شعب الأويغور بـ"القوى الثلاث" بعملية تاريخية معقدة للغاية، ومن المؤكد أن بداية هذه المشكلة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقرار الصين اتباع مسار "الإصلاح" في عام 1978.
نحن نعلم أن اختيار الصين لما يسمى بمسار "الإصلاح" في عام 1978 كان طريقا حتميا بالنسبة لها لتسلكه في الحفاظ على كيانها.
هناك العديد من الأحداث والتغيرات وقعت في الصين خلال هذه الفترة. الصين أنهت لتوها مايسمى ب"ثورة ثقافية" التي استمرت لعشر سنوات وواجهت أزمة اقتصادية وسياسية خطيرة. إلغاء الحكومة الصينية لـ"بينغتوان" (جيش البناء والتعمير) في عام 1975 في منطقة الأويغور (تركستان الشرقية) كان بسبب تلك الأزمات. منذ الجلسة الثالثة لدورة الحادية عشرة للجمعية العمومية للصين في عام 1978 أوائل الثمانينيات، لم تكن هناك رؤية واضحة في ذهن الصين بشأن الاتجاه الذي سيأخذ بها هذا الإصلاح. إذا لم تقم الصين بالإصلاح قد تواجه خطر الإنهيار، ولو قامت بالإصلاح فقد تواجه عدم استقرار سياسي بسبب الطلبات المتزايدة للمجموعات العرقية غير الصينية. في مثل هذه اللحظة الحرجة، في عام 1979، رسم اقتراح السياسي المنغولي أولانهو (乌兰夫) في تقريره في مؤتمر عمل منطقة الحدود خريطة طريق جديدة للصين. لأن تقرير أولانهو اقترح أنه من أجل تحسين السياسة العرقية، يجب على المقاطعات الصينية تقديم مساعدة للمناطق الحدودية العرقية. كان أولانهو عضوًا مخلصًا في الحزب الشيوعي الصيني، ورئيس منطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم في عام 1947، ونائب رئيس الصين في الثمانينيات، ورئيس اللجنة المركزية لجمهورية الصين الشعبية، وزعيم شيوعي منغولي من الجيل الأول الذي أنتجته الصين وتقلد مناصب مهمة.
ربما يتسائل القارئ هنا ، "أليست الدعوة للمساعدة مبادرة جيدة ؟" ما علاقة هذا بالأويغور؟ السؤال واضح.
في الواقع، من الطبيعي ألا يكون لدى الكثير من الناس في ذلك الوقت أي فكرة عما ستعنيه هذه الخطة بالنسبة للصين وأنها ستصبح فيما بعد أهم استراتيجية وطنية لإبادة الأويغور والشعوب الأخرى. ولكن تمت الموافقة على اقتراح أولانهو على الفور من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في ذلك الوقت، مما دفع اللجنة المركزية إلى إصدار الوثيقة رقم 52 (1979). في هذه الوثيقة، تقرر أن الدولة ستجيش جميع المقاطعات والمدن في الصين لتقديم المساعدة الطارئة للمناطق الحدودية.
بعد نشر الوثيقة، انتقل عدد كبير من المهاجرين الصينيين من مناطق جيانغسو وسيتشوان وقانسو في الصين إلى تركستان الشرقية بدعوى "المساعدة".
كانت الظاهرة عبارة عن موجة جديدة من الهجرة على نطاق واسع للمستوطنين الصينيين إلى تركستان الشرقية بعد إلغاء "بنجتوان" في عام 1975. تم تفصيل ذلك في كتاب "الصينيون في جنوب شينجيانغ" للأكاديمي الصيني لي شياوشيا، الذي نشرته أكاديمية بكين للعلوم الاجتماعية في عام 2015.
كانت النقطة الأكثر أهمية في ما يسمى بـ "سياسة المساعدة" هي نقل المستوطنين الصينيين على نطاق واسع إلى المناطق الحدودية باسم المساعدة، وبالتالي استيعاب المجموعات العرقية المحلية، والهدف النهائي للتصيين الشامل. في ذلك الوقت، كانت الصين تشير إلى منطقة الحكم الذاتي غير الصينية للأويغور، ومنطقة الحكم الذاتي التبتية، ومنطقة تشوانغ ذاتية الحكم، ومنطقة تونجان (هوي) ذاتية الحكم، ومنطقة الحكم الذاتي المنغولية. لأن تلك المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي شكلت أكثر من 64% من أراضي ما يسمى بجمهورية الصين الشعبية. هذه المناطق تعتبر مهمة للغاية بالنسبة للصين بسبب "تفرد" مواردها الطبيعية الغنية، والأراضي الواسعة الصالحة للزراعة، وقلة عدد السكان. على الرغم من تسمية هذه الأراضي الشاسعة باسم "مناطق الحكم الذاتي" كمثال للسياسات العرقية ذات الخصائص الصينية، إلا أن الصين تحتل هذه الأراضي بالكامل، خاصة تلك التي تنتمي إلى شعوب غير صينية، من أجل مصالحها الخاصة. في الواقع ، سهّل اقتراح Ulanhu على الصين الخروج من هذه الأزمة.
بعد أن أصبح من الواضح كيف سيتم تنفيذ ما يسمى بـ "الإصلاحات" وتنفيذها بروح الوثيقة رقم 52 للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، أعادت الصين "بنجتوان" في تركستان الشرقية. استعادة الصين لـ "بنجتوان" كانت مسألة تثير غضب الأويغور حتما.
يمكن القول إن الحكومة الصينية كانت تعرف أن هذا الوضع سيؤدي إلى حركات مقاومة وسلسلة من العمليات لـ "زعزعة الاستقرار". لكن الصين اتخذت إجراءات للتعامل مع هذه المشاكل حال حدوثها. كانت هذه النقطة من أهم الأسباب التي جعلت مطالب الطلاب الأويغور في الجامعات بضمان حقوقهم في الاستقلال الذاتي تحت شعار "الديمقراطية، والحرية، والمساواة" في عامي 1985 و 1988 لم تكتسب مكانة من الدعاية الصينية التي تصف الأويغور بأنهم " القوى الثلاث ".
في عام 1990، بعد الثورة المسلحة في قرية بارين بمقاطعة آقتو، بدأت الشعارات المزعومة "محاربة الانفصالية القومية، والتطرف الديني" بالظهور.
وبناءً على قوة هذه الشعارات، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في عام 1996 الوثيقة رقم 7، وألصقت تهمة "القوى الثلاث" ضد الأويغور بنجاح.
منذ اتهام الأويغور بـ "القوى الثلاث" من قبل الصين حتى حادثة 11 سبتمبر" عام 2001، لم يهتم المجتمع الدولي كثيرًا بتهمة الصينيين بالأويغور. لكن بعد الحادي عشر من سبتمبر، تغيرت النظرة تمامًا. لأن الصين استغلت الحادثة ودخلت الجبهة الدولية لمكافحة الإرهاب. لأن هذه هي الحقبة التي يحارب فيها العالم بأسره الإرهاب الدولي، مهدت "مكافحة الإرهاب" الصينية الطريق لمعاملة الأويغور كإرهابيين. منذ ذلك الحين، تم ربط الأويغور رسميًا بالإرهاب الدولي من قبل الصينيين محليًا ودوليًا، وتم تشويه صورتهم.
بعبارة أخرى، ختمت الحكومة الصينية "الطابع الإرهابي" على كل أعمال المقاومة والاحتجاج التي قام بها الأويغور لحماية حقوقهم في موجة مكافحة الإرهاب الدولية، وخدعت المواطنين الصينيين والمجتمع الدولي، وقمعت شعب الأويغور بشدة.
من الواضح أن ظهور إلهام توختي كمدافع عن حقوق الأويغور في مثل هذا الوقت لم يكن بدون سبب. بالنسبة لأويغوري مثل إلهام ترختي يعيش في بكين، عاصمة الصين، يرى بوضوح نوايا الصين ويفهم ما يحدث للأويغور، فقد يعتبر الطريقة الوحيدة للتخلص من الافتراء هو كشف الوجه القبيح للصين. خاصة لو تم الكشف عن حقيقة الافتراءات ضد الأويغور، فسيتم الكشف أيضًا عن جرائم الصين ضد الأويغور. كان واضحًا جدًا لدى إلهام أن العدالة التي يبحث عنها الأويغور ستتحقق بتوضيح هذه الحقائق.
في عام 1995، نشر مقالا بعنوان "التنمية الاقتصادية والمستقبلية لشعب الأويغور" في صحيفة الجامعة الوطنية المركزية.
في عام 2005، ألقى خطابًا بناءً على هذا المقال في الكلية المركزية للقوميات، وأثار بوضوح قضية انتهاكات حقوق الأويغور ، الأمر الذي جذب انتباه الحكومة الصينية. منذ ذلك الحين، أصبح إلهام توختي شوكة في حلق الصينين.
على الرغم من تعرضه هو وعائلته لاضطهادات مختلفة من قبل الإحتلال الصيني خلال هذه المرحلة، إلا أنه لم يستسلم أبدًا. أن إثبات إلهام أمام الرأي العام أن حقوق الأويغور الذي يعيش في نطاق القانون الصيني في الصين غير مضمونة، فقد أحدث تأثيرًا كبيرًا في المجتمع الصيني. في عام 2011، قدم تقرير إقتراح إلى الحكومة الصينية، تضمن النقاط الرئيسية التالية:
1 - مشكلة إيجاد فرص عمل لطلبة الجامعات الأويغور ومشكلة فائض القوى العاملة في الريف.
2. مشكلة تعليم اللغة المزدوجة.
3. قضايا الصراع العرقي والفصل العنصري.
4. فقدان الثقة بالكوادر والمثقفين الأويغور.
5. مشكلة "بنجتوان"
6. أزمة القيادة الحكومية ونيل ثقة الشعب.
7. مشكلة القومية الصينية.
8. مشاكل الاستقلال الإقليمي الذاتي ومقاومة تفكك الدولة.
ونتيجة لهذه المطالب المشروعة، اتهمته الحكومة الصينية بـ "محاولة تقويض الدولة" وحكمت عليه بالسجن المؤبد.
في فترة ارتباط الأويغور بالإرهاب الدولي وبقاء معاناتهم صامتة، فإن ظهور شخصية مثل إلهام توختي بين الأويغور يثبت أن قضية الأويغور لا علاقة لها بالإرهاب وأنها أمة تقاوم الاستعمار. بدأ المجتمع الدولي رويدا رويدا في الاعتقاد -بأن الأويغور شعب يقاتل من أجل حقوقه في ظل الحكم الاستعماري الصيني - على حساب حياة وحرية إلهام توختي.
في مقابلة مع إذاعة صوت أمريكا، أوصى إلهام توختي الحكومة الصينية بأن تقوم بإصلاح نفسها أولاً لحل مشكلة الأويغور. إذا لم يتم إرجاع حقوق الأويغور، واستمرت سياسات التدمير ضد الأويغور ، فسيواجه النظام الصيني مقاومة شرسة من شعب الأويغور التي ستكون أقوى بكثير مما تتخيله الحكومة اليوم. لأن الأويغور أمة لها تاريخ طويل وثقافة عظيمة ومعتقدات قوية. إذا لم يتم احترام قيمهم وثقافتهم ومعتقداتهم، فمن أجل الدفاع عن هذه القيم، قد يشكلون أكبر تحالف في التاريخ ، ويصبحون قوة هائلة، ويقدمون مقاومة لا يمكن تصورها للحكومة الصينية. هل تستطيع الصين ربط هذه الاحتجاجات بالإرهاب آنذاك؟ "
في الواقع ،تحقق تنبؤ إلهام حتى قبل سجنه بأن الأويغور يمكن أن يتحدوا في ظل اضطهاد شديد ويشكلوا روحًا للقتال معًا ضد أعدائهم. نتجه اليوم نحو أعظم وحدة في التاريخ، كما يقول إلهام. في هذه اللحظات التي حُكم فيها على إلهام بالسجن من قبل الصين وانفصاله تمامًا عن العالم الخارجي، نتذكره بشوق واحترام، بينما نعبر عن تقديرنا وامتناننا لروح الإيثار والتضحية في تكريس حياته لشعبه. ليس لدينا شك في أن الشعلة التي أشعلها لمجد الأويغور ستضيء بالتأكيد دروبنا وترسم لنا خارطة الطريق نحو الحرية.
* الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تمثل موقف الإذاعة.
مصدر المقال: إذاعة آسيا الحرة:
https://www.rfa.org/uyghur/mulahize/ilham-tohti-01182023135029.html
الترجمة من الأويغورية: عبد الملك عبد الأحد