الروابط التاريخية بين الأويغور والعثمانيين

مارس 4, 2024

«أويغور» كلمة تركية قديمة تعني الاتحاد والتحالف، سميت عدة قبائل تركية بهذا الاسم بعد الاتحاد الذي حدث بينهم، وعاشت الكتلة الرئيسة للأقوام التركية في حالة المسالمة أو المحاربة مع الصينيين، منذ ما قبل الميلاد بمئات السنين.

وتسجل المراجع أبرز هذه العلاقات في تاريخ الأتراك بزمن «إمبراطورية الهون» (بقيادة أوغوز خان الذي جمع أغلب القبائل التركية تحت سيطرته) من القرن الثالث قبل الميلاد إلى ما بعد الإسلام في عهد «إمبراطورية غوك تركلر» (542 – 740م) ثم الدولة الأويغورية (845 – 1600م).

كما يذكر في بعض المصادر أن كاشغر، إحدى أهم مدن تركستان الشرقية، التقت بالإسلام في العصر الأموي، فالطبري يذكر الجمل التالية حول كاشغر: «قتيبة بن مسلم تقدم من منطقة الفرغانة إلى كاشغر (عاصمة تركستان الشرقية عبر العصور) في عام 96هـ/ 715م، وأخذها من الصينيين، الذين كانوا يحتلونها منذ عام 629م».

 ثم بدأ التاريخ الإسلامي المزدهر بالعلم والحضارة الإسلامية للأتراك عموماً بقيادة الدولة القاراخانية (842 – 1212م) والسلاجقة بتمثيل أغلبية المسلمين الأتراك دون إبراز اسم قبيلة دون أخرى بشكل عام، وهذا حسب المصادر التركية والصينية التاريخية.

وأما علاقة الأتراك الأويغور بالأتراك الذين تنحدر منهم الدولة العثمانية، فإن الأولى قد بقيت في الوطن الأم -تركستان الكبرى- منخرطين مع المغول في سياسة البلاد، محافظين على هويتهم الإسلامية والعرقية، حتى أن تمت أسلمة السلالة المغولية فيما بعد، وأما الثانية ارتحلت من تركستان إلى جهة الغرب؛ الأناضول والعراق وسورية، منخرطين مع المغول أو هاربين منهم ليؤسسوا إماراتهم ودويلاتهم في هذه المناطق.

ومن هذه الدويلات والإمارات دولة القاراقوروم الأويغورية، التي حكمت المناطق الشاسعة في شرق الأناضول وإيران والعراق والكويت ما بين عامي 1315 – 1379م، وكذلك دولة آرتنا الأويغورية التي أسست في وسط الأناضول بقيادة السلطان علاء الدين أريتنا واستمر حكمها حوالي نصف قرن، وأسس الجوامع والمدارس في البلاد.

لكنها بعد احتلال المغول لبلاد الأتراك وسقوط الإمارات والدويلات تحت سيطرتها في نهاية القرن الـ12 الميلادي بدأت تتشكل ملامح أسس الدولة العثمانية لتجمع بقية القبائل التركية في آسيا الصغرى (الأناضول) بمقابل دولة السلالة الجغتائية المغولية ثم التيمورية التركية في آسيا الكبرى (تركستان الكبرى).

في هذه الحالة المتشابكة سياسياً واجتماعياً، فمن الطبيعي أن حالت بين الأتراك العثمانيين وأتراك الأويغور في العلاقات، سواء في التجارة أو تبادل الثقافات، إلا أن تمذهب المذهب الحنفي وتجزر العقيدة الماتريدية في كلا الجغرافيتين يدلان على اتحاد قوي واصطفاف تجاه القوى العسكرية والعقدية.

ويذكر في المصادر ككتاب سلاطين الدولة العثمانية أن في عهد السلطان سليمان القانوني في القرن الـ16 الميلادي أرسلت هيئة تتشكل من خمسة أشخاص خمس مرات عبر طريق الحرير الذي يمرّ من تركستان، فضلاً عن قلة العدد بهدف الهيئة الرئيس هو التجارة فقط.

وفي بعض الوثائق العثمانية، يذكر أن السلطان محمد الفاتح كتب أوامره التي راسلت مع السلطة في بغداد حينذاك باللغة الأويغورية، وكما يذكر أنه يفتخر بعلمه للغة الأويغورية والعربية، التي كانتا لغتي علم وسياسة آنذاك.

فإجمالي ما ذكر يدل على أن العلاقات كانت وثيقة بين الأناضول وتركستان الشرقية من ناحية الرابطة الدينية والأخوة العرقية، إلا أن الحالات السياسية والحروب الرائجة حالت بين الطرفين، ألا ترون ما قامت بها الدولة الصفوية التي قطعت الطرق جغرافياً بين الطرفين؟!

أما قوميات الأتراك الذين بقوا في تركستان الكبرى وبخاصة أتراك الأويغور بعد السلالة المغولية، فقد عاشوا من القرن الـ15 حتى منتصف القرن الـ18 الميلادي تحت مظلة سلالات الدولة التيمورية ثم السعيدية وغيرها في أراضي تركستان الشاسعة، حتى بدأ صراعهم مع الروس والمنشوريين الصينيين في القرن الـ18 بعدما غلبت عليهم الفرقة العقدية والتمزق، فاغتنمتا هذه الفرصة حتى تقاسماها فيما بينهما اثنتين؛ غربية وشرقية، حكم الروس تركستان الغربية، والصين المانشورية تركستان الشرقية في أواخر القرن الـ19 الميلادي كاملاً.

أكثر الباحثين والكتَّاب والقراء لا ينتبه للتفريق عند تعريف مسلمي الصين وتركستان الشرقية، فهنا فرق كبير بين مسلمي الصين ومسلمي تركستان الشرقية، فتركستان هي منطقة شاسعة يقطنها عرقيات الأتراك من الأويغور والأوزبك والقازاق وغيرهم وهم قبلوا الإسلام في زمن الفتوحات الإسلامية من أواخر القرن الأول الهجري.

وقد بدأ المانشوريون حركتهم الاحتلالية الاستعمارية لتركستان الشرقية عام 1858 – 1859م وانهزموا أمام الأويغور الذين كان يقودهم يعقوب محمد خان بك، واستطاع الأويغور إقامة دولتهم من جديد باسم «الدولة الكاشغرية/ يعقوب بك بَدَولَت» عام 1863م.

وقد بايع يعقوب بك السلطان عبدالعزيز من عام 1867م وأصبحت تركستان بشعوبها جزءًا من الدولة العثمانية وجمع شمل الأتراك شرقاً وغرباً، ودعمهم السلطان ببعض الأسلحة الحربية وأرسل إليهم العلم الأزرق كزيّ عَلَم الدولة العثمانية سوى لونها، ولم يستمر هذا كثيراً مع ضعف الدولة العثمانية.

في المقابل، زادت أطماع الروس والصين في تلك الأراضي حتى احتل الروس تركستان الغربية، واحتلت الصين تركستان الشرقية عام 1884م واختارت لها اسم «سنكيانع/ شن جيانغ» بمعنى «الوطن الجديد»، وقطعت كل العلاقات والمساعدات بين هذه المنطقة والدولة العثمانية، وارتكبت فيها الحكومة المانشورية المجازر الوحشية.

الأهم من كل ما سبق، أن مخطط دعم السلطان عبدالحميد الثاني تجاه المسلمين في الشرق كان شاملاً لمسلمي تركستان الشرقية والمسلمين الصينيين جميعاً، لعله بفكرته الجامعة إعادة «الخلافة الإسلامية»، ربما اتجه من دعمه الخاص لأجداده الأتراك التركستانيين في تركستان الشرقية إلى المساعدة الشاملة وعلى المستوى البعيد والمستمر لمسلمي الصين جميعاً؛ وهو أنه أسس «دار العلوم الحميدية في بكين» عاصمة الصين.

وأما في تركستان الشرقية، وعن طريق غير مباشر ساعد في إنشاء المدارس الدينية وتجديد «المدرسة الحميدية»، و«دار المعلمين» في كل من مدينة غولجيا ومدينة الكاشغر والآرتوج في تركستان الشرقية، وقدم دعماً كبيراً لأصحاب المشروعات الصناعية والتجارة الخارجية للأويغور ولأهل تركستان من أمثال بهاء الدين باي، والحسين باي في نقل المصانع من ألمانيا.

وكما أرسل المعلمين الأتراك للإرشاد والتعليم لتدريب الشباب الطلاب وتدريسهم، وبدعمه لتأسيس المصانع المتطورة ونقلها من أوروبا إلى تركستان لتطوير المجتمع التركستاني، أصبحت تركستان الشرقية أكثر تقدّماً وحضارة من الصين، رغم سياسة الروس والصين هناك لمسلمي تركستان، وكانت المراسلات كثيرة بين «الباب العالي» والرؤساء والقضاة والقادة التركستانيين، وهي خير شاهد على هذا.

https://mugtama.com/04/319652/