رمضان كرمز للهوية والمقاومة في تركستان الشرقية

يمثل رمضان في تركستان الشرقية أكثر من مجرد شهر للعبادة؛ إنه يمثل صراعًا على الهوية والثقافة والانتماء (غيتي إيميجز)

عبد الوارث عبد الخالق

11/3/2025

شهر رمضان المبارك يمثل ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام، وهو مقدس عند المسلمين في جميع أنحاء العالم. في هذا الشهر، يمتنع المسلمون عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس، ويكرسون أنفسهم للعبادة والتأمل الروحي والأعمال الخيرية.

ومع ذلك، في تركستان الشرقية (المعروفة رسميًا في الصين باسم منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم)، تحوّلت هذه الممارسات الدينية التي كانت تُمارس بحرية سابقًا إلى نشاط محفوف بالمخاطر ومحاط بالقيود المشددة.

الخلفية التاريخية والثقافية

تركستان الشرقية منطقة ذات تاريخ إسلامي غني يمتد لأكثر من ألف عام، إذ وصل الإسلام إلى المنطقة في القرن الأول الهجري، وبمرور الزمن أصبح الدين الإسلامي هو السائد في البلاد. فيها المساجد التاريخية التي تشهد على هذا التراث العريق، مثل مسجد إيدكاه في مدينة كاشغر التاريخية، ومسجد كبير في مدينة خوتان أيضًا.

بدأ تشديد القيود من عام 2000، والحالة مستمرة إلى يومنا هذا، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حيث بدأت الحكومة الصينية بربط الهوية الدينية للإيغور بـ"الإرهاب" و"التطرف"، ما أدى إلى تغيير جذري في السياسات

الثقافة الإيغورية متجذرة بعمق في التقاليد والثقافة الإسلامية، حيث تمتزج العادات المحلية مع التعاليم الإسلامية لتشكل هوية فريدة من نوعها. اللغة الإيغورية نفسها، التي تُكتب بالحروف العربية تاريخيًا، تعكس هذا التأثير الإسلامي أيضًا.

تحول السياسات الصينية تجاه الممارسات الدينية:

 المرحلة الأولى (1949-1980)

بعد احتلال الصين لتركستان الشرقية عام 1949، مرت السياسات تجاه الممارسات الدينية بعدة مراحل. خلال الثورة الثقافية (1949-1980)، تعرضت المؤسسات الدينية لهجوم مباشر، حيث دُمرت المساجد أو حُولت إلى مخازن ومصانع، ومُنعت الممارسات الإسلامية بشكل شبه كامل.

مرحلة الانفتاح النسبي (1980-2000)

بعد انتهاء الثورة الثقافية، شهدت الثمانينيات والتسعينيات انفتاحًا نسبيًا، سمح بإعادة فتح بعض المساجد وممارسة الشعائر الدينية، بما فيها الصيام في رمضان. أُعيد بناء بعض المساجد وتجديدها، وسُمح للحجاج بالسفر إلى مكة، وازدهرت التجارة مع الدول الإسلامية.

بداية تشديد القيود (من عام 2000- مستمرة إلى يومنا)

بدأ تشديد القيود من عام 2000، والحالة مستمرة إلى يومنا هذا، وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، حيث بدأت الحكومة الصينية بربط الهوية الدينية للإيغور بـ"الإرهاب" و"التطرف"، ما أدى إلى تغيير جذري في السياسات.

ومنذ عام 2014، مع إطلاق حملة "الضربة القاسية ضد الإرهاب"، ثم "حملة مكافحة التطرف" في 2017، تصاعدت القيود بشكل كبير، وتحولت ممارسة الشعائر الإسلامية، بما فيها الصيام في رمضان، إلى نشاط مراقب ومقيد بشدة.

القيود المفروضة على الممارسات في شهر رمضان المبارك

  • منع الصيام بشكل كامل: أصدرت السلطات المحلية مراسيم تحظر الصيام على موظفي الدولة، والمعلمين، والطلاب، وموظفي الشركات الحكومية وحتى الناس العاديين. ووثقت تقارير حقوقية حالات إجبار الطلاب على تناول الطعام والماء أمام المعلمين خلال ساعات الصيام في المدارس والجامعات.
  • إجراءات المراقبة في المدارس والمؤسسات: تشمل تفتيش حقائب الطلاب للتأكد من عدم حمل وجبات الإفطار، وتنظيم أنشطة بدنية مجهدة في أيام رمضان، وإجراء اختبارات خلال النهار، ويتم ترتيب مسابقات لشرب البيرة في نهار رمضان المبارك.
  • إجبار المطاعم على أن تفتح في نهار رمضان: تُفرض غرامات على المطاعم التي تغلق أثناء النهار في رمضان، ويُطلب منها تقديم خصومات خاصة لتشجيع الناس على عدم الصيام.
  • الزيارات المنزلية: تقوم فرق العمل الحكومية بزيارات مفاجئة للمنازل لتقديم الطعام والتأكد من تناول السكان له، خاصة في المناطق الريفية، للتأكد من كونهم غير صائمين.
  • القيود على الصلاة والتجمعات الدينية: تم هدم وتحويل أكثر من 15 ألف المسجد إلى ملاهٍ ومراقص ليلية، وتم تركيب كاميرات مراقبة وأجهزة مسح هوية على مداخل المساجد المتبقية، التي تُفتح فقط للسياح كمعالم تاريخية دون السماح بالصلاة فيها.
  • منع صلاة التراويح نهائيًا: تعتبر صلاة التراويح "ممارسة متطرفة" في تركستان الشرقية، وتم منعها تمامًا أو تقييدها بشدة.
  • منع الشعائر والتقاليد الرمضانية: تمت مصادرة نسخ القرآن والكتب الدينية من المنازل، وأُغلقت محلات بيع الكتب الإسلامية، وحُظرت الاحتفالات العامة بالعيد، ومُنعت التجمعات العائلية الكبيرة، واشتُرط الحصول على تصاريح للزيارات العائلية في الأعياد. وأيضًا مُنعت المظاهر الدينية مثل ارتداء الحجاب أو إطلاق اللحى، وارتداء الملابس التقليدية خلال العيد.

يمثل رمضان في تركستان الشرقية أكثر من مجرد شهر للعبادة؛ إنه يمثل صراعًا على الهوية والثقافة والانتماء. القيود المفروضة على ممارسات رمضان هي جزء من نمط أوسع من السياسات التي تستهدف الهوية الدينية والثقافية للإيغور وغيرهم من المسلمين في المنطقة

عواقب مخالفة القيود

وثقت منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش حالات اعتقال لأشخاص؛ بسبب صيامهم أو أدائهم الشعائر الدينية خلال رمضان. يمكن أن تشمل العقوبات:

  • الاحتجاز قصير المدى في مراكز الشرطة.
  • الاعتقال الإداري لمدة تصل إلى سنة أو أكثر.
  • الإحالة إلى "معسكرات إعادة التأهيل" لفترات أطول.
  • فقدان الوظائف الحكومية أو طرد الطلاب من المدارس والجامعات.
  • غرامات مالية وزيارات منزلية متكررة.

رمضان كرمز للهوية والمقاومة في المهجر أيضًا

مع تزايد أعداد الإيغور الذين فروا من تركستان الشرقية، تكونت مجتمعات إيغورية كبيرة في دول مثل تركيا، ودول آسيا الوسطى، والسعودية، والدول الأوروبية أيضًا. يحرص الإيغور على إحياء تقاليد رمضان بطرق تعكس هويتهم الثقافية، مثل:

  • تنظيم إفطارات جماعية تقدم فيها الأطباق التقليدية الإيغورية.
  • إقامة صلوات التراويح في مراكز ومساجد خاصة بهم.
  • تنظيم فعاليات ثقافية ودينية خاصة برمضان وعيد الفطر.
  • إنشاء مدارس لتعليم الأطفال اللغة الإيغورية والثقافة الإسلامية.

تبقى قضية حرية الممارسة الدينية في تركستان الشرقية قضية حقوق إنسان أساسية، تستدعي اهتمامًا دوليًا مستمرًا، والتزامًا بدعم حق الإيغور وجميع المسلمين في المنطقة بممارسة شعائرهم الدينية

أصبح الاحتفال برمضان في المهجر ليس فقط ممارسة دينية، بل تأكيدًا على الهوية والانتماء. المشاركة في تقاليد رمضان أصبحت شكلًا من أشكال المقاومة الثقافية، والحفاظ على الذاكرة الجماعية في مواجهة محاولات محو الهوية الدينية والثقافية في تركستان الشرقية.

خاتمة

يمثل رمضان في تركستان الشرقية أكثر من مجرد شهر للعبادة؛ إنه يمثل صراعًا على الهوية والثقافة والانتماء. القيود المفروضة على ممارسات رمضان هي جزء من نمط أوسع من السياسات التي تستهدف الهوية الدينية والثقافية للإيغور وغيرهم من المسلمين في المنطقة.

رغم هذه التحديات، يستمر الإيغور، سواء في تركستان الشرقية أو في المهجر، في التمسك بتقاليدهم وهويتهم الدينية. أصبح رمضان، بهذا المعنى، ليس فقط فترة للعبادة، بل أيضًا رمزًا للصمود والمقاومة الثقافية في وجه محاولات الاستيعاب القسري والقمع الديني.

في النهاية، تبقى قضية حرية الممارسة الدينية في تركستان الشرقية قضية حقوق إنسان أساسية، تستدعي اهتمامًا دوليًا مستمرًا، والتزامًا بدعم حق الإيغور وجميع المسلمين في المنطقة بممارسة شعائرهم الدينية، بما فيها الاحتفال بشهر رمضان بحرية وكرامة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.