الصين تحتفل في شينجيانغ… والأويغور المنفيون يردون بالانتقاد

الرئيس الصيني شي جين بينغ في منطقج شينجيانغ. صورة من: Xie Huanchi/Xinhua/picture alliance

يوتشن لي

احتفل الرئيس الصيني شي جين بينغ مع الأويغور بمناسبة الذكرى السبعين لتأسيس منطقة شينجيانغ الأويغورية ذات الحكم الذاتي. ولكن الأويغور في المنفى يشعرون بالقلق على استمرار تقاليدهم وثقافتهم في وطنهم.

لم يستطع عزيز عيسى إلكون تحمل الصور التلفزيونية المنقولة من وطنه مع الرئيس الصيني  شي جين بينغ  خلال الاحتفال بتأسيس منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم في غرب الصين  قبل سبعين عامًا. وظهر في بث مباشر الرئيس شي جين بينغ الذي تم استقباله على سجادة حمراء، بينما كان الأهالي المحليون يغنون ويرقصون بأزيائهم التقليدية.

"لم أستطع تحمل المشاركة في مشاهدة ذلك. وبعد ثانية أو ثانيتين، أغلقت التلفاز"، كما يقول الشاعر الأويغوري عزيز عيسى إلكون الذي يبلغ عمر 56 عامًا وقد هرب إلى المنفى في بريطانيا قبل نحو ثلاثة عقود بعد اضطهاده من قبل الحكومة الصينية.

وفي هذا الصدد قال إلكون لـ DW إنَّ هذه الاحتفالات في شينجيانغ تتناقض تمامًا مع "ما فعله شي جين بينغ بمجتمع الأويغور قبل عدة سنين فقط". وهو يقصد بذلك دورات إعادة التأهيل الإلزامية لشعب الأويغور.

إعادة تأهيل الأويغور

يتم احتجاز  الأشخاص المنتمين إلى أقلية الأويغور المسلمة في شينجيانغ بشكل إجباري في العديد من المعسكرات، التي تطلق عليها السلطات الصينية اسم مراكز تدريب مهني. ولذلك فإنَّ منظمات حقوق الإنسان، مثل هيومن رايتس ووتش، تتهم بكين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية".

ويقول إلكون: "الآن يغنّي الأويغور له. هذا سخيف". وفي ظل حكم شي جين بينغ خلال السنين الإحدى عشر الماضية، زادت الاعتقالات الجماعية والمراقبة المشددة للمجموعات العرقية في شينجيانغ. وتبرر  بكين  إجراءاتها هذه بمكافحة الإرهاب.

وخلال زيارته التي استمرت ثلاثة أيام في شينجيانغ هذا الأسبوع، دعا شي جين بينغ من جديد إلى "بذل كل الجهود الممكنة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي"، ووصف سياساته الخاصة بالجماعات العرقية في منطقة "الحكم الذاتي" بأنَّها سياسة "صحيحة وفعالة تمامًا".

استيعاب المسلمين

تصادف في الأول تشرين الأول/ أكتوبر الذكرى السبعين لتأسيس منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم من قبل الحزب الشيوعي الصيني. وهذه المنطقة الشاسعة أغلب سكنها من الأويغور الناطقين بالتركية ويعتنقون  الإسلام. ولكن نسبة المسلمين فيها تتناقص باستمرار. وذلك لأنَّ بكين ترسل إلى شينجيانغ أعدادًا متزايدة من الصينيين الهان الذين يشكلون 90 بالمائة من إجمالي عدد سكان الصين.

وبحسب آخر تعداد سكاني، يعيش هناك 8.3 مليون من الأويغور، ويمثلون بذلك نسبة تبلغ نحو 45 بالمائة. بينما يشكل الصينيون الهان نحو 40 بالمائة من السكان.

ويشعر الأويغور ومجموعات عرقية أخرى بحرمان وتهميش شديدين في الحياة السياسية والاجتماعية. ومع أنَّ محافظ شينجيانغ ورئيسها الإداري من الأويغور، لكن من يملك الكلمة الأخيرة رجل صيني من الهان تعيّنه بكين سكرتيرًا للحزب الشيوعي. وكذلك يوجد حضور واسع لجيش التحرير الشعبي في شينجيانغ، والجنوده هم تقريبًا من الصينيين الهان فقط.

مكافحة الإرهاب كذريعة؟

وقع في عام 2014 هجوم انتحاري بسيارتين مفخختين في أوروموتشي، عاصمة شينجيانغ، قتل فيه 39 شخصًا بريئًا. وكان منفذو الهجوم أربعة من الأويغور، لقوا حتفهم فيه أيضًا. وتم الحكم على مشارك آخر في الهجوم، هو أيضًا من الأويغور، بالإعدام بعد محاكمة قصيرة.

وبحسب تقارير وسائل الإعلام الحكومية فإنَّ الجناة المتورطين في هذا الهجوم تأثروا وتطرفوا طيلة أعوام من خلال الفكر الأصولي. وأنَّهم اشتروا مواد كيميائية وصنعوا القنابل بأنفسهم مستعينين بتعليمات من الإنترنت. ويعتقد ناشطون من أقلية الأويغور أنَّ الحكومة المركزية في بكين تستغل الهجوم كذريعة لتشديد قمع الأويغور دينيًا وثقافيًا.

"تم تصوير هذا الهجوم كنسخة صينية من هجمات 11 أيلول/ سبتمبر"، كما يقول دارين بايلر، الأستاذ في جامعة سيمون فريزر الكندية، ويشير بذلك إلى الهجمات في 11 سبتمبر 2001 في  الولايات المتحدة الأمريكية، والتي أسفرت عن نحو 3000 قتيل. ويضيف إنَّ "هذا كان هو الدافع وراء إنشاء نظام مراقبة شبكي".

عمل قسري في معسكرات

ويكمن هدف السلطات الصينية الرئيسي في جعل شينجيانغ منطقة مندمجة تمامًا مع بقية أنحاء الصين "ولتحقيق ذلك يريدون تحويل الأويغور إلى قوى عاملة في الإنتاج"، كما يقول بايلر.

وبحسب تقرير صدر عام 2024 عن المعهد الأطلسي، وهو مركز أبحاث أمريكي مقرب من لحكومة، فقد تم احتجاز نصف مليون أويغوري على الأقل في معسكرات إعادة التأهيل حتى عام 2022. ومن الصعب التحقق من هذا الرقم كغيره من التقديرات الأخرى، بسبب عدم شفافية عمل الحكومة في الصين. وتتهم دراسة أخرى بكين بـ"فرض العمل القسري". وتذكر أنَّ مئات الآلاف من الأويغور في المعسكرات يجبرون على العمل في صناعة النسيج والإنتاج الصناعي والزرعي.

الأويغور في المنفى يكافحون من أجل هويتهم

وتطالب منذ فترة طويلة منظمات  حقوق الإنسان، بما فيها  منظمة العفو الدولية، المجتمع الدولي والأمم المتحدة  بزيادة الضغط على بكين بسبب قمعها للأويغور.

ولكن لم يتم حتى الآن إجراء أي تحقيق دولي مستقل في المنطقة، وذلك لأنَّ الوصول إلى المنطقة لم يعد ممكنًا إلا للجولات الخاضعة لرقابة شديدة. "ووصول الباحثين الغربيين إلى شينجيانغ مستحيل عمليًا"، كما يقول تيموثي غروس، أستاذ الدراسات الصينية في معهد روز هولمان للتكنولوجيا بولاية إنديانا الأمريكية. ويضيف أنَّ "الكثير من هذه الجولات لا تنقل للسياح المعلومات اللغوية أو التاريخية أو الثقافية لفهم الأحداث بشكل منطقي".

ومع ذلك فإنَّ غروس يبقى متفائلًا. ويقول الأويغور في الشتات نشطون جدًا في المحافظة على الثقافة الأويغورية في الخارج: "لقد عملوا بنشاط من أجل إنشاء مراكز ثقافية، ونشر الكتب، وتعليم اللغة للأطفال، والمحافظة على العناصر الدينية في هويتهم".

وعزيز عيسى إلكون، الذي يعمل الآن باحثًا في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة  لندن، نشر قصائد عن وطنه وما يزال ينتقد الحكومة الصينية علنًا، على الرغم من أنَّ الشرطة الصينية تضايق والدته باستمرار في شينجيانغ. ويقول: "أنا متفائل. أعتقد، كما قلت سابقًا، أنَّ العدالة ستنتصر".

بالتعاون مع: يان جون

أعده للعربية: رائد الباش

المصدر: https://www.dw.com/ar/