بقلم: سما يارار
يتردد في جميع أنحاء العالم حديث عن حقوق الإنسان والحريات والمساواة. ومنظمات دولية تدعي الدفاع عن العدالة والإنسانية. ولكن من المؤلم أن صدى هذه الكلمات لا يصل إلى حدود تركستان الشرقية. فهناك، تُباد الإنسانية بشكل منهجي في ظل الصمت.
قبل بضع سنوات، قمنا بزيارة السيدة منور أويغور، رئيسة جمعية نزوغوم. وأتيحت لنا الفرصة لنستمع بشكل مباشر عن الظلم الذي يمارسه النظام الصيني الشيوعي على السكان المسلمين. كانت روايتها مما يجمد الدم في العروق. كنا نأمل أن ينتهي هذا الظلم، ولكن للأسف، ما زال مستمراً.
تركستان الشرقية...
هذه الأرض، التي تشكل جزءاً أصيلاً من الثقافة الإسلامية، تُسحق اليوم تحت القبضة الحديدية للصين. حيث يُراد تجريد الأويغور والكازاخ وغيرهم من الشعوب المسلمة من هوياتهم ومعتقداتهم وثقافاتهم. فمنذ عام 2014، يكتب النظام الصيني الشيوعي إحدى أحلك صفحات تاريخ البشرية وأكثرها وحشية ضد المسلمين في المنطقة.
يُحتجز أكثر من مليون من الأويغور في معسكرات اعتقال تعمل تحت مسمى "مراكز التدريب المهني". يتم احتجازهم دون أي إجراءات قضائية، ودون منحهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، فقط لكونهم مسلمين. وهذا هو أكبر اعتقال جماعي لمجتمع إثني-ديني منذ الحرب العالمية الثانية.
وقد وثقت التقارير الدولية مراراً وتكراراً مزاعم التعذيب، والاستيعاب القسري، وجلسات غسيل الدماغ، والعنف الجنسي في هذه المعسكرات. تُفرض على النساء وسائل منع الحمل قسراً، ويتم تعقيم الآلاف منهن. وأصبحت حالات الإجهاض القسري خبراً عادياً. أما الأطفال الذين يولدون، فيُفصلون عن آبائهم ويُرسلون إلى مدارس داخلية ليتم صياغتهم "بهوية صينية".
إن القمع الذي يتعرض له من يريدون ممارسة شعائرهم الدينية لا يوصف. فالصيام محظور، والصلاة محفوفة بالمخاطر، حتى إطلاق اللحية يُعتبر جريمة. تُهدم المساجد، وتُدمر شواهد القبور. وكل فرد يحاول الحفاظ على معتقده يُعاقب بوصفه "متطرفاً" أو "انفصالياً". هذه ليست مجرد سياسة أمنية مزعومة؛ بل هي إبادة جماعية ثقافية تُنفذ علناً.
وبينما تحدث هذه الفظائع في الصين، فإن العالم للأسف لا يفعل شيئاً. فالجزء الأكبر من المجتمع الدولي صامت تجاه هذه الجريمة ضد الإنسانية. لماذا؟ لأن المسألة ليست مسألة ضمير، بل مسألة مصالح. فالقوة الاقتصادية للصين تنبض في قلب التجارة العالمية، لذا تفضل العديد من الدول تجاهل هذا الظلم. وهكذا تُسحق خطابات حقوق الإنسان تحت وطأة الاتفاقيات التجارية والمصالح الاقتصادية. وهذا الصمت يُضفي الشرعية على ظلم الصين ويمهد الطريق لمزيد من المعاناة والدموع.
أما بالنسبة لتركيا، فالوضع أكثر حساسية. لأن تركستان الشرقية جزء لا يتجزأ من تاريخنا وعقيدتنا وتراثنا الثقافي. والمظلومون والمضطهدون هناك هم جزء من ماضينا. ومع ذلك، فإننا غالباً ما نلتزم الصمت باسم التوازن الدبلوماسي. ولكن الصمت هو وقوف في صف الظلم. ولن يتوقف هذا الظلم ما لم تجد صرخة الأويغور صدى في ضمير المسلمين.
إن استهداف هوية مجتمع ما، ولغته ودينه وثقافته، ليس تدميراً لشعب واحد فحسب، بل هو تدمير للإنسانية جمعاء. لأن الإنسانية تكتسب معناها من خلال تعايش الاختلافات. وبينما تجعل الصين الأويغور ضحايا لمشروع "التنميط"، فإنها في الحقيقة تذبح أسمى قيم الإنسانية.
إن الاستيعاب القسري ليس مجرد إبادة جماعية ثقافية، بل هو إبادة جماعية روحية.
اليوم في تركستان الشرقية، الأطفال بلا آباء وأمهات، والأمهات ثكلى، والآباء مكبلون بالسلاسل. الألسن تُكمم، والصلوات تُحظر، والهويات تُمحى. وللأسف، لا أحد يسمعهم، أو لا يستطيعون إيصال أصواتهم، أو ربما لا أحد يريد أن يسمعهم.
آن الأوان لرؤية هذا الظلم. فما يحدث في تركستان الشرقية ليس اختباراً لشعب واحد فقط، بل هو اختبار للإنسانية بأسرها. وكل من يصمت أمام الظلم هناك هو جزء من هذه الجريمة.
العلاقات التجارية، اتفاقيات الطاقة، الشراكات الاستراتيجية... لا شيء منها أثمن من دمعة طفل أو صرخة أم.
كلما صمت العالم، زادت الصين تجبراً. لكن علينا ألا نصمت. فالتاريخ سيحكم أيضاً على الصامتين.
https://dogruhaber.com.tr/dogu-turkistan-gercegi