فى الصين: حتمية العيش وفق قواعد الآخرين

 الأصل أن تعيش المجتمعات والأفراد وفق قواعد موضوعة عبر تاريخها القصير أو الطويل تلك القواعد مستمدة من عقيدتها الدينية وثقافتها، ومتأثرة بتجاربها التاريخية بل وبالجغرافيا والنشاط الاقتصادى وغير ذلك. وغالبا ما يضع البشر وبالأخص النخب المسيطرة القواعد والقوانين لتحقيق مصالحهم الخاصة أو العامة، وأهدافهم السياسية والاقتصادية ولصالح استمرار بقاء النخب المسيطرة؛ وتبقى العدالة وجهة نظر كل ينظر إليها من زاوية دينه، ثقافته، مذهبه الفكرى ومصالحه؛ وفى أحيان كثيرة يصبح القانون أداة خطيرة لسحق العدالة وانتهاك الحقوق وليس صيانتها واضطهاد الأبرياء بدلا من معاقبة الجناة وتفشى الظلم والفساد بدلا من استئصالهما. ومن هنا يمكن أن نفسر التجاوزات الضخمة بحق الآخر عبر تاريخ البشرية وأسباب الصراعات والحروب كغزوات وفتوحات المغول والحروب الصليبية والفتوحات الإسلامية، والحملات الاستعمارية فى العصر الحديث كاستعمار قارتى أمريكا واستراليا وغيرها من قبل الأوربيين وما صحب ذلك من مذابح وإبادة جماعية للسكان الأصليين كالهنود الحمر والأبورجين واندثار حضارتهم، حيث فى أغلب الحالات كانت قواعد المكاسب الاقتصادية والتوسع الاستعمارى المفتقد للمعايير الإنسانية المحرك الأساسى لنهب الآخر بل واستئصاله وما صحب ذلك من اختطاف واستعباد ملايين البشر وعمليات التمييز العنصرى على أساس الدين والعرق واللون وتفوق وتعالى بعض أجناس البشر على البعض الآخر وأحقيتهم فى حكم الشعوب الأخرى واستغلال مواردهم وإكراههم على العيش تحت ظلال القهر بل وسحقهم ليحقق الآخر (المٌستعمِر) مصالحه ويوسع دوائر نفوذه الاقتصادي والإيديولوجى وسيطرته على أرض الواقع ومختلف مناحى الحياة.

 من هذا المنطلق يمكن أن نفسر ما يحدث فى الصين الآن من اعتقال واضطهاد ملايين الأويغور والتبتيون لإكراههم على العيش وفق قواعد وتصورات يضعها الحزب الشيوعى الصينى، ولتحقيق أهدافه وتصيين الآخر ومحو هويته الدينية والثقافية بل ودفعه للانقراض كشعوب وأفراد يملكون ميراثا حضاريا وهوية تختلف كليا أو جزئيا مع الهوية الصينية الشيوعية وأهدافها السياسية والاقتصادية.

 وفى حين يضع البشر القواعد المنظمة للمجتمعات لمراعاة المصالح السياسية والاقتصادية ولاستمرار الهيمنة الثقافية للنخب على مجتمعاتهم أوفى مواجهة الآخر المختلف دينا وثقافة وعرقا، فإن القواعد المستمدة من الإسلام الدين الخاتم الذى لم يطله التحريف، هى قواعد تسع البشرية وتضع أسس العدالة المطلقة غير المتأثرة بمصالح نخبوية سياسية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية. يقول الله تعالى : " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون" الآية 90 من سورة النحل ؛ ويقول تعالى : " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " من الآية 58 سورة النساء ؛ ويقول تعالى : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " من الآية 135 سورة النساء، حتى فى حالات الخلاف والعداوة تبقى العدالة حاكمة السلوك فى التعامل مع الآخر يقول الله تعالى : "ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى" من الآية 8  سورة المائدة. 

ولسوف تظل قواعد العدالة التى تسترشد بمبادىء الإسلام تسع الجميع وتشع بالرحمة وتحترم حقوق الإنسان دون النظر لدينه أو عرقه أو ثقافته، بينما تبقى عدالة الحزب الشيوعى الصينى تسحق الآخر لإكراهه على العيش وفق نزواته الفكرية وقواعده الغامضة المتقلبة التى لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا فى معاملة  الآخر، وتفتقد الرحمة والإنسانية، كما ينحى الحزب الشيوعى الصينى فى سياساته الفعلية على أرض الواقع كافة قيم المساواة والتعايش المشترك وتلاقى الثقافات واحترام وتقبل الآخر بكل اختلافاته الدينية والثقافية والتاريخية؛ بل يحاول الحزب صب الجميع فى قالب من القواعد والسلوك المتصلب فإما أن تتخلى عن هويتك الدينية والثقافية وتعيش فى هذا القالب، أو يزج بك فى معسكرات الاعتقال لإعادة تخطيط هويتك وسلوكك؛ وخلاصة القول ولسان الحال " فى الصين إما أن تعيش وفق قواعد الحزب الشيوعى القاسى المتقلب أو لا حق لك فى الحياة".   

 

د \ عزالدين الوردانى

 كاتب متخصص فى شؤون وسط آسيا