منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل الصين منذ عام 1947م – وهو حكم ذاتى شكلى كما في تركستان الشرقية والتبت – عاصمتها "هويهوت" ، تبلغ مساحتها 1,183 مليون كم2 بما بعادل 12% من مساحة الصين وهى ثالث أكبر المقاطعات ومناطق الحكم الذاتي فيها، وتقع في شمال الصين ولها حدود يبلغ طولها نحو 4000 كم مع جمهورية منغوليا وروسيا ، وتعداد سكانها نحو 25,2 مليون نسمة يتألفون من 49 قومية أكبرهم الهان، وتبلغ نسبة المغول أصحاب الأرض الأصليين 17,1% من إجمالي تعداد السكان، يتركز 70% منهم في نحو 18% من مساحة المنطقة، بينما تبلغ نسبة الهان الصينيين 79,2% حيث أدت الهجرات الكبيرة للهان إلى المنطقة منذ القرن الثامن عشر لزيادة أعدادهم وهى سياسة استعمارية صينية تستهدف تغيير التركيب السكانى في كل مستعمراتها لصالح الهان، ويؤخذ في الاعتبار أن الإحصائيات الصينية لا تدرج أعداد الجيش والشرطة الصينية في عملية الإحصاء رغم استقرارهم وأسرهم في كل المناطق التي تحتلها الصين.
تشتهر المنطقة بمراعيها الواسعة وتنتج 55% من إنتاج الحليب في الصين، وهى من كبار منتجى الصوف الكشميرى في العالم، وقد تدهورت مراعيها بسبب استنزاف الصين لها وقد لجأت الأخيرة لأسلوب الرعى الدورى وتهجير الرعاة وإقرارهم في مساكن مبنية من الطوب عكس خيامهم وحياتهم التقليدية، وتربية الحيوانات في حظائر وذلك للحفاظ على مستوى الإنتاج. والمنطقة بها أكبر احتياطي للفحم في الصين نحو 660مليار طن و ثانى أكبر منتج له في الصين ويتم استخدامه غالبا في توليد الكهرباء حيث تزود المنطقة العاصمة بيجين بنحو 70% من احتياجاتها من الكهرباء؛ وللمنطقة تجارة واسعة مع روسيا.
خلفية تاريخية
في عام 1227م تمكن المغول من غزو الصين فأسقطوا أسرة شيا الغربية ثم أسرة جين عام 1234م وظلوا يحكمون في الصين حتى عام 1368م فيما يعرف في التأريخ الصينى – الذى كثيرا ما يطلق تسميات خاصة به تختلف عما تطلقه الشعوب على نفسها - بأسرة يوان (1271 – 1368 )م والتي أزاحتها عن الحكم في الصين أسرة مينج الهانية (1368 – 1644)م، ومن ثم تقلص حكم المغول وأزيحوا إلى أراضى منشأهم الأصلى فى هضبة منغوليا - وهى المنطقة المعروفة حاليا بمنغوليا الداخلية وجمهورية منغوليا وبعض الأراضى التي تحتلها روسيا – وتسميهم المصادر الصينية بأسرة يوان الشمالية ( 1368- 1635)م والتي ظلت تحكم المنطقة حتى تمكنت إمبراطورية المانشو أو تشينغ الصينية (1644 – 1911)م من إسقاط حكم المغول والاستيلاء على أراضيهم الأصلية بنهاية القرن السابع عشر 1691م.
مع اندلاع ثورة عام 1911م (شين هاى) في الصين التي أسقطت أسرة تشينغ وأعلنت قيام جمهورية الصين الوطنية؛ أعلنت منغوليا استقلالها عن الصين تحت زعامة " بوجد جيغين خان" زعيم الطائفة البوذية التبتية في البلاد بدعم من روسيا القيصرية التي حصلت على امتيازات تجارية فى إطار معاهدة ثنائية مع منغوليا المستقلة عام 1912م، مع اندلاع الثورة البلشفية عام 1917م احتلت الصين منغوليا بمساعدة قوات الحرس الأبيض القيصرية الروسية، وفى عام 1921م وبمساعدة قوات من الجيش الأحمر الشيوعى الروسى تمكن الجيش الشعبى المغولى من هزيمة القوات الصينية وتأسيس دولة اشتراكية في منغوليا؛ في عام 1924م قتل "بوجد جيغين خان" وأعلن المجلس الوطنى قيام جمهورية منغوليا الشعبية وكانت دولة تابعة للاتحاد السوفيتى السابق واعترفت بها الصين عام 1946م وانضمت لعضوية الأمم المتحدة عام 1961م وظلت دولة تابعة للاتحاد السوفيتى السابق حتى أطاحت ثورة شعبية بالنظام الحاكم بها عام 1990م، وأعيد تسميتها منغوليا وصدر بها دستور جديد عام 1992م وتحولت لدولة متعددة الأحزاب واقتصاد السوق.
وفيما يخص منغوليا الداخلية فقد رفضت روسيا دعم استقلالها لتتجنب الصراع مع الصين واليابان التي كان لها نفوذ ومصالح في المنطقة حيث كان شرق منغوليا الداخلية تحت سيطرة جمهورية "منشوكو" الصينية صنيعة اليابان، وأجبرت روسيا منغوليا الشعبية – الخارجية – على الاعتراف بالسيادة الصينية على منغوليا الداخلية ، ورفض الاتحاد السوفيتى والصين ومنغوليا الشعبية توحيد منغوليا الشعبية والداخلية ككيان واحد يضم أراضى المغول الأصلية شمال صحراء جوبى؛ ومن ثم نشأت في منغوليا الداخلية حركة استقلال منغوليا الثانية بزعامة "بابو جاب" أحد القادة العسكريين في نظام " بوجد خان" وذلك بدعم ومساعدة من اليابان؛ وفى عام 1925م وبدعم من منظمة الشيوعية الدولية الأممية الثالثة "الكومنترن" ومنغوليا الشعبية بدأت حركة تمرد للحصول على استقلال منغوليا الداخلية وحق تقرير المصير للشعب المغولى، وتحالف المتمردون مع جيش "كوانتونغ" الصينى التابع لليابان أثناء غزوه لشمال شرق الصين عام 1931م – أحداث منشوريا – وبرز آنذاك الأمير " ديمشوغ دونغراب"ا المغولى الداخلى الذى سعى لاستقلال منغوليا الداخلية عن الصين، وفى عام 1936م أعلن استقلال الأراضى المغولية في غرب منغوليا الداخلية عن الصين و قيام جمهورية "مينتشيانغ 1963 – 1945م " وعاصمتها "كالغان" بينما كان شرق منغوليا الداخلية تحت سيطرة جمهورية "منشوكو" .
بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية حاول القادة الإقليميون في منغوليا الداخلية توحيدها مع منغوليا الشعبية دون جدوى، وقامت الصين بشن حملات قمع وحشية ضد المغول وأعضاء الحركة الانفصالية وتمكنت من القضاء على حركة استقلال منغوليا الداخلية ثم منحتها الحكم الذاتي عام 1947م وحتى الآن لا تزال منطقة حكم ذاتى تحت سيطرة الصين الشعبية. ومنطقة منغوليا الداخلية أصابها قدر كبير من التصيين وفقدان الهوية القومية والثقافية من جراء استهداف الحكم الشيوعى الصينى لثقافات الأقليات القومية عبر سياسات الدمج والاستيعاب القهرية التي تفرض على الأقليات، وعبر تهجير أعداد ضخمة من الهان الصينيين إلى مناطق الأقليات للإخلال بالتوازن السكانى واستحضار ثقافة الهان وفرضها كرها على تلك المناطق.
وقد نشأت عدة حركات سياسية تطالب باستقلال منغوليا الداخلية – الجنوبية كما يطلق عليها أحيانا – يقودها المغول في الشتات في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية مثل: حزب الشعب المغولى الداخلى، حزب الاتحاد الليبرالى المغولى، التحالف الديموقراطى المغولى الجنوبى. وتطلب تلك المنظمات بانفصال منغوليا الداخلية عن الصين وإقامة دوله مستقلة للمغول، أو الاتحاد مع منغوليا الشمالية (جمهورية منغوليا) وإقامة دولة كبرى للمغول تضم كافة الأراضى التي تعد مهد نشأة المغول.
د/ عز الدين الوردانى
باحث متخصص في شؤون آسيا الوسطى