كانت سياسة المانشو أثناء حكم تركستان تتبني سياسة عدم التدخل في شأن التعليم والذي كان بسيطا في تلك الفترة ويتركز بالأساس على التعليم الديني . عقب ثورة يعقوب بك ( 1863 – 1878 ) واستقلاله بتركستان الشرقية ، ثم عودة السيطرة الصينية المنشورية على تركستان وضمها رسميا إلى الصين عام 1884 بدأت حكومة المانشو في إنشاء المدارس الكونفوشيوسية ذات الزي والسمت المميز حيث يتوجب على طلبتها ارتداء الملابس المنشورية الصينية وجعل شعورهم على شكل ضفيرة ، واعتبرت هذه المدارس أدوات لتصيين أبناء النخبة في تركستان الشرقية ، ولتكوين جيل يجيد اللغة الصينية من المسئولين ورجال الدين المحليين ليتم الاعتماد عليهم في تسهيل مهمة الصين في حكم تركستان وتكريس السيطرة الصينية عليها.
وقد فشلت تلك المدارس بسبب مقاومة العائلات التركستانية لها ، ولم يستطع المانشو تحقيق أهدافهم من إنشاء تلك المدارس رغم استمرارها لنحو عشرين عاماً.
أثناء فترة الحكم الجمهورى فى الصين أنشأت سلطات الاحتلال الصينى مدارس صينية فى تركستان وأُجبر الأهالى على المساهمة فى بنائها؛ إلا أن التركسانيين لم يقبلوا عليها فأغلق معظمها، وقيل أنه قد بقيت مدرستان أو واحدة تضم حوالى (20) طالبا يدرسون اللغة الصينية ليؤهلوا كمترجمين أو إداريين. وفى فترة حكم (شين شى تساى) ذو التوجه الشيوعى أنشأ الكثير من المدارس واستقدم لها كوادر من تركستان الغربية الخاضعة للحكم السوفيتى فى ذلك الوقت إلا أنها لم تؤد الدور التعليمى المنوط بها لصالح الشعب التركستانى.
وبصفة عامة اتبعت الصين سياسة إهمال وتدمير أسس التعليم في تركستان حتى يعم الجهل وقطع التواصل بين الشعب التركستاني وتاريخه وهويته الدينية والثقافية.
وقد ألغى الحكم الصيني جميع المدارس التي تدرس المواد العلمية والعلوم الاجتماعية والتاريخية رغم قلة عدد تلك المدارس وانحصر التعليم الديني في تعليم القرآن الكريم فحسب.
بقي الوضع التعليمي في تركستان الشرقية على ما هو عليه من تدهور حتى ثورة عام 1944 والتي تبعها إعلان استقلال تركستان الشرقية ثم تحول هذا الاستقلال إلى حكم ذاتي تمتع فيه التركستانيون بدور كبير في إدارة شئون بلادهم فشهد التعليم فترة مزدهرة بالأخص في عهد حكومة د/مسعود صبري ، عيسى ألبتكين حيث تم الاهتمام بتدريس اللغات التركية وتدريس التاريخ القومي لتركستان الشرقية وتاريخ الأتراك عموما، وتدريس الدين ومختلف العلوم وعملت تلك الحكومة بجد على نشر الثقافة والحضارة التركية والتعريف بها وإيقاظ الوعي القومي والحضاري للتركستانيين، كما تم إنشاء مكتبة عامة لأول مرة منذ الاستعمار الصيني لتركستان وذلك فى محاولة من الإدارة الوطنية في تركستان في ذلك الوقت لإصلاح ما أفسده الصينيون.
مع دخول تركستان تحت الحكم الشيوعي الصيني تم القضاء على محاولة النهضة بالتعليم القومي ذو الخصائص المحلية، واستبدل بمنظومة التعليم الصيني الشيوعي، والذي يهدف في مجمله إلى توجيه النشء وإدراجه داخل المنظومة الشيوعية وسلخه عن حضارته وتاريخه وطمس هويته القومية والدينية، أي باختصار (تصيين) الشعب التركستاني المسلم. ولنلقي نظرة على فلسفة الصين الشيوعية حيث تولت الحكومة المركزية في الصين إدارة وتوجيه كل ما يتعلق بالعملية التعليمية.
تنص المادة التاسعة عشر من دستور الصين الصادر عام 1982 على أن الدولة تتحمل مسئولية تنمية التعليم الاشتراكى وتعمل على رفع المستوى العلمى والثقافى للأمة كلها؛ وأنها تقيم وتدير المدارس من مختلف المستويات وتعمم التعليم الأولى إجباريا، وتشجع التعليم الثانوي والمهني والتعليم العالي وأيضا تعليم ما قبل المدرسة.
كما أن الدولة تشجع التعاونيات الاقتصادية ومؤسسات الدولة الاقتصادية والاجتماعية قطاعات المجتمع الأخرى لإقامة معاهد تعليمية من كافة الأنواع طبقاً للقانون.
وبرغم أن نص المادة (37) من قانون مناطق الحكم الذاتى توصي باستقلالية العملية التعليمية للقوميات المختلفة داخل مناطقهم حيث تنص على أن سلطة الحكم الذاتى فى منطقتها تقوم باستقلالية بتنمية تعليم القوميات عن طريق إزالة الأمية والجهل، وإنشاء الأنواع المختلفة من المدارس ونشر التعليم الأولي إجبارياً وتنمية التعليم الثانوي وإقامة المدارس المتخصصة للقوميات مثل مدارس المعلمين والمدارس الفنية والمهنية والمدارس لتدريب المتخصصين من أبناء الأقليات القومية؛ إلا أن المادة السابقة لها ألزمتها بالتوافق مع التوجه العام للدولة والقواعد القانونية للمركز، حيث نصت المادة (36) من قانون مناطق الحكم الذاتي على أنه بالتوافق مع خطة الدولة في التعليم والقواعد القانونية لذلك، فإن أعضاء سلطة مناطق الحكم الذاتي القومي يقررون خطط تنمية التعليم في مناطقهم وإقامة الأنواع المختلفة من المدارس من كافة المستويات، ووضع شكل النظام التعليمي ومناهج الدراسة واللغة المستخدمة في التدريس وإجراءات التحاق المتعلمين؛ كما تؤكد المادة (53) من قانون مناطق الحكم الذاتي على قيام أعضاء سلطة الحكم الذاتي في مناطقهم بتوجيه التعليم بين المواطنين من مختلف القوميات لإذكاء المشاعر الوطنية ودعم الشيوعية !!!.
ولا يختلف توجه قانون التعليم في الصين عن توجه قانون مناطق الحكم الذاتي فعلى حين تبين المادة العاشرة من قانون التعليم لجمهورية الصين الشعبية والصادر فى 18/3/1995م، أن الدولة تأخذ في اعتبارها خصوصية وحاجات مختلف المجموعات العرقية عند تقديم الدولة لمساعدتها في تنمية العمليات التعليمية في مناطق الأقليات .
فإن المادة السادسة من القانون نفسه تنص على أن الدولة توجه التعليم بين المتعلمين تجاه دعم المواطنة والتعاون والاشتراكية، وأهمية المثاليات والأخلاق والنظام واحترام القانون والدفاع عن الوحدة الوطنية .
وفي إطار التوجه نفسه أي توجيه العملية التعليمية نحو أهداف المركز والحزب الشيوعي الصيني والرامية لتعزيز هيمنة المبادئ الشيوعية الصينية ، تنص المادة الثالثة من قانون التعليم العالي الصادر فى 29/8/1998م ، على أنه فى إطار سعي الدولة لتنمية التعليم الاشتراكي العالي فإن الدولة تلتزم بالماركسية اللينينية وفكر (ماو تسى تونج) ونظرية (دينج شياو بينج) كمبادئ مرشدة، وتتبع المبادئ الأساسية الموضوعة في الدستور. فأين هي الحرية الممنوحة لمناطق الأقليات مثل تركستان الشرقية في تعليم يحافظ على هويتهم وثقافتهم الخاصة !؟
فبرغم ما تبديه النصوص الدستورية من اهتمام نظري بالتعليم والطرح الرسمي الذي ترى الصين أنه يقدم رؤية جيدة للحفاظ على الهوية القومية للأقليات ، إلا أن الواقع العملي يؤكد أن الصين تضع العراقيل الواضحة أمام عملية تعليمية حقيقية تحافظ على الهوية الدينية والحضارية بل وترفع المستوى العلمي للتركستانيين.
بل إن العملية التعليمية ومحتواها يهتمان بالأساس بدمج واستيعاب الأقليات داخل النسيج العرقي الأساسى للصين أي الهان.
وتعد لغة التعليم من أخطر مشكلات التعليم في تركستان الشرقية إذ تسود اللغة الصينية عملية التعليم في كافة مراحلها برغم النصوص القانونية التي تسمح بأداء العملية التعليمية بلغة الأقليات القومية ، لكن هذه النصوص تمت صياغتها لتناسب رؤية وأهداف القيادة الشيوعية الصينية وتسمح لها بفرض لغة التعليم التي تراها.
فى سبتمبر 1951 عقد فى بكين الاجتماع الوطنى الأول لتعليم الأقليات القومية
وتقرر اتخاذ أسلوب (التعزيز والتطوير والتنظيم والإصلاح) للعملية التعليمية والمدارس ونوعية التعليم، وطلب الاجتماع أن يكون التعليم فى المدارس الابتدائية والمتوسطة فى المناطق المأهولة بالأقليات التى لها لغات مكتوبة باستخدام هذه اللغات؛ ومنذ ذلك الحين بدأت مناطق الأقليات تُطور ـ من وجهة نظر الصين ـ وتُغير التعليم بها بما يتفق وقانون وسياسة الدولة .
تبع ذلك ظهور التعليم فى المدارس فى مناطق الأقليات بلغتين وأصبح التعليم فى تلك المناطق له ثلاثة أساليب رئيسية وهى:
- التعليم بلغة الأقلية القومية رئيسياً مع إضافة التعليم بلغة الهان.
- التعليم بلغة الهان رئيسياً مع إضافة التعليم بلغة الأقلية القومية.
- الانتقال التدريجى من التعليم بلغة الأقلية القومية رئيسياً ليصبح التعليم بلغة
الهان رئيسياً.
وفى نص المادة (37) من قانون مناطق الحكم الذاتى أنه: حيث يكون معظم طلبة المدارس من إحدى الأقليات القومية يجب ( حينما يكون ممكنا) استخدام كتب مدرسية بلغتهم القومية واستخدام تلك اللغة فى التعليم، بينما يبدأ تدريس اللغة الصينية (الماندرين) الفصحى (بوتونغهوا) اللهجة السائدة فى بكين بداية من الصف الخامس والسادس الإبتدائى وفى مدارس التعليم المتوسط .
بينما فى المعاهد العليا والمدارس الفنية فإن كل مواد الدراسة باللغة الصينية ولذا يجد الطلبة التركستانيون من خريجى المدارس التى تدرس بلغتهم صعوبة فى مواصلة
التعليم العالى، مما يجبر العديد من الآباء على إرسال أبنائهم إلى المدارس الصينية التى تحظى بدعم مادى وتقنى أكبر، وتعليم للغات الأجنبية مثل الإنجليزية، اليابانية، الروسية، كما يوجد لديها مدرسون أكثر كفاءة .
ويلاحظ أن التطوير الذى تم يعد لصالح دعم الهيمنة الثقافية للهان بإدراج لغتهم كمتغير له الغلبة فى النهاية ما يعزز المكانة الثقافية لسيل المهجرين الهان الوافدين على تركستان وغيرها من مناطق الأقليات؛ كما يلاحظ أن النص القانونى (حينما يكون ممكنا) والذى يمكن توجيهه حسب رغبة من يدير العملية التعليمية وأهدافه التى يرجو تحقيقها من خلال تلك العملية والتى يبدو جلياً أنها تهدف إلى تصيين تركستان الشرقية وسائر مناطق الأقليات.
ويعتبر التعليم باللغة الصينية - رغم مقاومة التركستانيين له – وسيلة من وسائل الدمج والاستيعاب حيث يتيح لمن يحصلون عليه إمكانية حصولهم على فرصة عمل ومكانة فى الإدارات الصينية .
وتبدو الفجوة كبيرة بين مستوى التعليم فى مناطق الأقليات ومستوى التعليم فى مناطق الهان، ولاتزال المناطق الحدودية والنائية وهى فى أغلبها مناطق سكنى الأقليات القومية فى الصين تعانى من مشاكل الافتقار إلى الأموال اللازمة للتعليم ، ومن نسب التسرب العالية من التعليم ومستوى المدرسين المنخفض ونوعية التعليم المنخفضة .
- كما أن هناك مجالين مهملين فى مدارس التركستانيين ـ إن وجدت ـ حيث اللغة الصينية لغة ثانية وهما مجالاً تعليم اللغات الأجنبية وعلوم الحاسوب .
- ويلاحظ الفارق الكبير بين المدارس التى تدرس باللغة الصينية ومدارس الأقليات فى تركستان الشرقية من حيث مستوى المبانى والتجهيزات وهو بالطبع لصالح المدارس الصينية فى حين قد تجد الفصول فى مدارس الأقليات دون مقاعد للطلبة ، كما تقل قدرة تلك المدارس على استيعاب كل الطلبة الأتراك بينما يجد نظراؤهم من الصينيين الأماكن المطلوبة ، مما يدل على انتقائية واضحة ضد التعليم التركستانى تستهدف نشر الجهل والبطالة وما يتبع ذلك من نتائج فى أوساط اليافعين التركستانيين .
- ويوجد نقص فى أعداد المدرسين فى مدارس الأتراك فى المدن الكبرى بينما فى القرى يوجد وفرة، والمدرسون الأتراك الذين يرغبون فى العمل فى مدارس المدن لا تعطيهم السلطات تصاريح إقامة .
ولا شك فى أن هناك ميزة للأطفال الذين يتلقون تعليمهم على يد مدرسين من قوميتهم، مثل إمكانية الكتابة والتكلم بلغتهم وفهم ثقافتهم والتواصل معها، كما يمكنهم الحفاظ على هويتهم القومية وتدعيمها ؛ ولذا فإن من الأهمية بمكان تدريب أكبر عدد ممكن من المدرسين الأتراك للقيام بهذا الدور وهو الأمر الذى لايحدث فى تركستان الشرقية .
لقد كان التعليم في مدارس تركستان وطبقاً للقوانين المراوغة الخاصة بهذا الشأن يتم بطريقتين.
1 ـ مدارس الأقليات مثل الأويغور والقازاق وغيرهم حيث يتم تدريس المناهج فيها بلغة الأقلية كالأويغورية ويتعلم الطلاب اللغة الصينية بدءا من الصف الثالث الإبتدائي ،وهو ما تسميه الإدارة الصينية التعليم المزدوج أو ثنائى اللغة
2 ـ المدارس الصينية ويتم تدريس المناهج فيها باللغة الصينية ولا يتم تدريس اللغة الأويغورية فيها بل لغات أخرى كالإنجليزية وأغلب من يتعلم في تلك المدارس من أبناء المهاجرين الصينيين ، مع بعض الطلاب الأويغور والأقليات الأخرى ، والسؤال الذي يمكن أن يطرح . لماذا لا يتعلم الطلاب الهان لغة الأويغور وأصحاب الأرض التي يعيشون عليها حتى يستطيعوا التواصل معهم ؟
بمرور الوقت قل عدد مدارس الأقليات وأهملت عمدا حتى أصدر مكتب التعليم الإقليمي في شينجيانج أمرا في 2/5/2002 بأن تكون اللغة الصينية هي لغة التعليم في كافة المداس والمعاهد في شينجيانج ومنذ عام 2004 تم تعميم التعليم باللغتين على نطاق المنطقة بحجة دعم الحوار بين القوميات بينما تدرس اللغة الأويغورية كمادة دراسية لمدة تتراوح بين 2-4 ساعات أسبوعيا ويبدأ تدريس اللغة الأويغورية من الصف الرابع الابتدائي وليس عند دخول الطفل المدرسة كما كان فى السابق ، ويسمى الصينيون هذا التعليم أيضا( التعليم المزدوج ) ولكن بعد أن عدلت لغة التعليم الرئيسية من اللغة الأويغورية إلى اللغة الصينية !!! . فكيف يتعلم أطفال الأويغور لغتهم ويحافظوا عليها ويتواصلوا مع ذويهم وثقافتهم.؟ ولماذا يتم التعليم منذ مرحلة رياض الأطفال باللغة الصينية قبل أن يتقن الطفل لغته الأصلية وتتعزز معرفته بها ؟ وتسارع الصين لنشر هذا التعليم والضغط على أسر الأويغور لتعليم أبنائهم اللغة الصينية عن طريق ما يسمى ( فصول شينجيانج ) وهي فصول دراسية لتدريس اللغة الصينية للآلاف من الطلاب الأويغور بعيداً عن مجتمعاتهم وتنتشر في كثير من مدن تركستان ، وتجبر الأسر التركستانية على إرسال أبنائهم لهذه الفصول الدراسية والتي تعمل على تنمية توجهات سياسية وفكرية معينة تستهدف تعميق التوجه نحو تصيين تركستان الشرقية.
ونتيجة لفرض التعليم باللغة الصينية ألغيت الكثير من المدارس الأويغورية ، كما أغلقت الكثير من المدارس الثانوية في القرى لعدم توافر الإمكانيات المادية والأعداد المطلوبة من المدرسين للتدريس باللغة الصينية.
وتستقدم السلطات الصينية الكثير من طلاب كليات المعلمين من داخل الصين للتدريس التطوعي لفترة داخل تركستان. ترتب على ذلك تسرب أعداد كبيرة من الطلبة الأويغور من الدراسة أو عدم التحاقهم بالمدارس بسبب عدم قدرة أسرهم على توفير المصروفات المادية اللازمة من رسوم دراسية وانتقالات ، وذلك لتدني مستوى الدخل للأويغور في القرى بالأخص فضلا عن صعوبة التحاقهم بالجامعات والتي يتم التدريس بها كاملا باللغة الصينية ، وبرغم ادعاء السلطات الصينية أن الهدف من التدريس بالصينية للأويغور هو تأهيلهم لسوق العمل الذي يتطلب إتقان اللغة الصينية إلا أن الخريجين الأويغور من المدارس الفنية والجامعات يعانون من صعوبة الحصول على فرصة عمل بسبب خلفيتهم الثقافية غير المقبولة لدى الصينيين الهان .
محتوى التعليم:
تعد مناهج التعليم فى الصين موحدة بمعنى أن كل الطلبة فى جمهورية الصين
الشعبية - أيا كانت المجموعة العرقية التى ينتمون إليها - يدرسون قليلاً أو كثيراً المنهج نفسه فى المدرسة ولا يوجد اختلاف كبير بالأخص فى المدارس الابتدائية ، والكتب الموجودة فى مدارس الأقليات القومية وبلغاتها تعد ترجمة مبسطة من اللغة الصينية إلى لغة الأقلية القومية المقابلة وفى بعض المناطق هناك كتب دراسية خاصة تركز على تاريخ وثقافة المنطقة ومثل هذه الكتب تتناول موضوعات عامة مع مراعاة المعايير الموضوعة للمناهج الدراسية وأهدافها والتى تدعم الإيديولوجية الشيوعية واستيعاب ودمج الأقليات المختلفة.
على سبيل المثال هناك كتاب (تاريخ منطقة شنجيانج) أى تركستان الشرقية يدرس لطلبة المدارس الثانوية بلغة الأويغور واللغة الصينية فى العام الدراسى 1992 ومحتواه
يضم الكثير عن الأدب الأويغورى والتاريخ والدين ولكن هناك أمران يُنتقد فيها الكتاب
الأول: أن الكتاب يتبع النهج الرسمى الصينى والذى يعتبر أن أى أرض دخلها الصينيون ولو لفترة قصيرة تعتبر أرضا صينية وهذا يعنى أن تاريخ الأويغور جزء من تاريخ الصين ككل حيث إن الأويغور جزء من الأمة الصينية طبقاً للمفهوم والادعاءات الصينية.
ثانيا: يقدم الكتاب الدين الإسلامى على أنه جزء من ثقافة الأويغور وهذا لا يدعم
مكانة الدين الإسلامى فى أوساط الطلاب إذ باعتبار الدين جزءاً من الثقافة فهناك إمكانية لقبوله أو رفضه أو التنازل عنه باعتباره منتجاً بشرياً .
وبالتالى فالذى يُدرس هو التاريخ الذى تراه وتهدف إلى تقريره العملية التربوية
فى الصين، أما تاريخ تركستان الشرقية بصفة مستقلة أو الحضارة التركستانية
وكبار الشخصيات التركستانية فلا يدرس كل ذلك إلا باعتباره جزءا من التاريخ والحضارة الصينية، كما يلقن الطلاب الأتراك أنهم من نسل صينى .
وينسب للماضى – ما قبل عام 1949 – كل صفات السوء من جهل وفساد واختلال الأمن والنظام وانتشار العقائد الباطلة التى وضعتها البرجوازية .
وبصفة عامة يمنع دخول الكتب والدراسات التاريخية إلى تركستان الشرقية ولا يسمح للتركستانيين أن يقرءوا فى تاريخ بلادهم غير التاريخ الذى تضعه إدارة الحكم الشيوعى الصينى فى مسعى يهدف لفرض سياسات وتحقيق نتائج تخدم استمرارية
السيطرة على تركستان الشرقية .
ورغم مكانة اللغة العربية لدى المسلمين بصفة عامة باعتبارها لغة القرآن الكريم فلا يوجد تعليم للغة العربية فى المدارس التركستانية ، وأغلقت المدارس التى تعلم اللغة العربية ، وأصبح تعليم العربية جريمة يعاقب من يمارسها ، ويمكن تدريس اللغة العربية فى الجامعات من خلال المناهج التى يضعها قسم اللغة العربية ( باللجنة الوطنية لتوجيه أعمال تدريس اللغات الأجنبية فى الجامعات) والتى أنشأتها وزارة التعليم فى الصين عام 1982 وكان اسمها السابق (لجنة تأليف ومراجعة الكتب المنهجية للغات الأجنبية بالجامعات)
فى فترة الثورة الثقافية أُعلن أن التعليم سيطرت عليه البرجوازية الفكرية وأن
هناك حاجة لإيجاد نظام تعليمى جديد يعتمد على تعليمات (ماو) ومن ثم أرسلت فرق
الدعاية لأفكار (ماو) والمشكلة من الحرس الأحمر وجنود جيش التحرير والعمال والفلاحين إلى المعاهد التعليمية ؛ وحدثت تغييرات كبيرة فى التعليم فاختصرت مدة الدراسة الابتدائية إلى أربع أو خمس سنوات والدراسة المتوسطة إلى ثلاث سنوات، وأعيد تكوين المناهج الدراسية لتؤكد على الحاجات العملية ومن ثم أزيلت مواد التاريخ والجغرافيا والأدب من المناهج الدراسية بينما وجهت الدراسات العملية كالكيمياء والفيزياء تجاه تلبية الحاجة للمهارات الصناعية المطلوبة ، كما توقف العمل بمعظم الكليات والجامعات وعلق العمل بنظام امتحانات القبول بالجامعة منذ يونيو 1966 وسمح للقليل من الكليات والجامعات بالعمل وقبول بعض الطلاب فى بداية عام 1970، وكان القبول يتم على أساس (الفعالية السياسية) واعتُبر الطلاب المنتمون لعائلات الفلاحين والعمال والجنود أنهم الأكثر فعالية ومزايا سياسية وكانوا من أوائل المقبولين ؛ وقد تمت هذه الإجراءات عن طريق اللجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى ومختلف لجانه الحزبية الأقل وليس عن طريق وزارة التعليم التى أقصيت عن العمل التعليمى فى الفترة من 1967 حتى 1974 .
- ورغم أن دراسة المبادئ الشيوعية تحتل مكانة هامة فى العملية التعليمية داخل الصين، فقد وصل الأمر فى فترة الثورة الثقافية أن الطلاب كانوا يمضون ربع الوقت أو أكثر فى دراسة نصوص وأفكار الماركسية حيث كانت تعرض لهم بوصفها وسيلتهم التى تمكنهم من التغلب على من يحاولون استخدام الأنشطة الفكرية لاستعادة مبادئ الماضى .
اتجهت الصين نحو الإصلاح والانفتاح عقب نهاية فترة الثورة الثقافية إلا أن هناك ثوابت لم تتغير فى أهداف العملية التعليمية ؛ ففى المؤتمر الوطنى حول التعليم
المنعقد فى بكين فى 22/4/1978 صرح (دينج شياو بينج) رائد عملية التحول والإصلاح فى الصين بأنه (ينبغى أن تعيد المدارس الأهمية الأولى لاتجاه سياسى ثابت صحيح ، ويجب أن يولى الطلاب أولوية هامة لاتجاه سياسى ثابت صحيح ، وهذا لا يعنى أنهم ينبغى أن يهجروا دراسة العلوم والمعارف العامة ، كما يجب أن نعزز المثل الثورية والأخلاقيات الشيوعية لدى الشباب منذ طفولتهم فقد كان هذا العمل دوما تقليداً مجيداً فى عمل حزبنا التربوى) .
ويشير (دينج) إلى أن إنجاز ذلك يقع على عاتق مدرسى المدارس الابتدائية
والثانوية والمسؤلين عن دور الحضانة ورياض الأطفال بشكل خاص، ( وأنه ينبغى على كل اللجان الحزبية والمنظمات الحزبية فى المدارس والجامعات أن تولى اهتماماً حماسياً لتقدم المدرسين إيديولوجياً وسياسياً وأن تساعدهم على دراسة الماركسية اللينية وأفكار (ماو تسى تونج) حتى يتوفر للمزيد منهم نظرة بروليتارية شيوعية راسخة للعالم" والمشكلة لدى الحزب الشيوعى الصينى أنه ومنذ عام 1949 بل وقبلها يتكرر تغييره لتوجهاته ومن ثم يتغير محتوى وتركيبات التعليم فى الصين بل ويتغير التوجه العملى والنظرى تجاه سائر منظومات القيم والتركيبات الثقافية داخل الصين.
ومنذ عام 1989 رأت القيادة الصينية ضرورة تقديم عمل إيديولوجى قوى فى مجال التعليم ، وقد أشار قانون التعليم العالى فى المادة (53) إلى ضرورة التزام طلبة المعاهد العليا بالقانون والمعايير السلوكية للطلبة ونظام الإدارة المدرسى والدراسة بجد وبناء أجسامهم وبناء مفهوم المواطنة والتعاون والاشتراكية وبإتقان دراسة الماركسية واللينينية وفكر (ماو تسى تونج) ونظرية (دينج شياو بينج) وأن يكون لديهم فكر وعمق إيديولوجى .
وهكذا فإنه برغم تغير المظهر والاتجاه نحو الإصلاح وبعد فترة من تلك العملية فإن الأشياء المهمة تبقى كما هى لم تتغير فعلى المستوى النظرى الظاهرى الحزب الشيوعى يعطى ويتنازل عن بعض أفكاره وهيمنته على الساحة ولكن فى النهاية دائما الحزب هو الذى يقرر ، ويبقى الثابت الأساسى والذى لا تحيد عنه الصين بمختلف أنظمتها وتحولاتها السياسية والإيديولوجية هو دمج واستيعاب الآخر وطمس وإضعاف هويتة الدينية والثقافية وقطع صلته بجذوره التاريخية والحضارية .
وقد أدت السياسة التعليمية للصين إلى انخفاض معدل التعليم بين التركستانيين وتخلفه عن المعدل العام في الصين وارتفاع نسبة الأمية بين التركستانيين والتي تتباين تقديراتها بين 26% إلى 60% وهى فى زيادة مستمرة بسبب تدهور أوضاع التركستانيين بصفة عامة.
كما أن التركيز على التعليم باللغة الصينية يؤدي إلى تقليص استعمال اللغة القومية للتركستانيين، وانقطاع التواصل بين الأجيال، وضعف الهوية الدينية والثقافية، مما يخدم في النهاية هدف الصين الرئيسي وهو دمج الأقليات ومحو هويتهم الدينية والثقافية؛ وهذا الاتجاه آخذ فى التصاعد بوتيرة أسرع وأكثر حدة منذ تولى الرئيس الصينى (شى جين بينج) ذو النزعة الديكتاتورية السلطة فى 3/ 2013م.
فهل هذا سلوك شركاء الوطن أم سلوك مستعمر يستهدف إدارة السكان الأصليين بسهولة عن طريق طمس هويتهم وإبقاؤهم في الجهل!!!؟
د/ عز الدين الورداني
باحث متخصص فى شؤون آسيا الوسطى