فقد قراْت ما كتبه الاستاذ عماد المديفر بعنوان (وأيضا .. حقائق أخرى حول مزاعم اضطهاد المسلمين في الصين) في جريدة الجزيرة في 15/8/2016تكملة لمقاله بعنوان( حقائق حول مزاعم اضطهاد المسلمين في الصين ) في جريدة الجزيرة بتاريخ 6/8/2016، كما قرأت ما كتبه الاستاذ فهد عريشي بعنوان:(حقيقة قمع مسلمي الصين)في جريدة الوطن في يوم 15/7/2016 ، وسررت باهتمامهما بأحوال اخوانهم المسلمين في الصين ، وحيث ان المعلومات التي ذكرهما عن حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية جيدة إلى حد ما ، ولكنها تحتاج إلى توقف ومراجعة ، لأن ما يكتب عن احوال المسلمين في الصين هو موضوع يتطرق إليه الكثير من العلماء و الباحثين ومراسلي وكالات الانباء العالمية ومراكز البحوث والدراسات ، و إن كانت الصحف العربية نادرا ما تشير إليه بسبب هموم المجتمع العربي ، و لكن في عالم اليوم اصبحت المعرفة مشاعة و البحث الدقيق يظهر الحقيقة .
وأحوال المسلمين في الصين على نوعين بحسب القومية والمكان ، وحسب ممارسة الحكم الصيني الشيوعي الذي لم يعلن تخليه عن النظام الشيوعي ، فالحزب الشيوعي الصيني هو المنفرد بالحكم، و محاربة الدين تعتمد على الخطة التي يرسمها المكتب السياسي حسب استراتيجيته .
والمسلمون فئتان في الصين : فئة تعيش في مقاطعة شينجانغ ( تركستان) و هم الأكثر ، وفئة أخرى تعرف بالمسلمين الصينيين باسم قومية الخويHuizu، ويرجعون إلى أصول عرقية مختلفة مسلمة ، صينية لغتها ، و تنتشر في أنحاء الصين مع تمركز في الولايات الغربية بدءا من ولاية يوننان و جنغهاي وكانسو ونينغشيا إلى منغوليا الداخلية و يقدر عددها 10،5 مليون بموجب إحصائية عام 2011، و هؤلاء المسلمون يتمتعون إلى حد كبير بحرياتهم الدينية في ممارسة شعائرهم والتعليم الإسلامي في المساجد ويتمتع الأطفال والشباب الكبير والصغير بفرص التعليم الإسلامي في المساجد ، والنساء والرجال على مختلف طبقاتهم يتمتعون بحرية الصلاة في المساجد وغيرها، حتى أن النساء لهن مساجد خاصة بهن كما جاء في كتاب .The History of Women`s Mosques in Chinese Islam: A mosque of Their Own published by Curzon Press 2000 ، و تهتم السلطات الصينية بأن تؤكد للمسلمين في العالم أن مقاطعة نينغشيا الذاتية الحكم لقومية الخوي المسلمة هي بلاد المسلمين التي تعكس مظاهر الإسلام وحضارته في الصين ، وبالاتفاق مع شركة 3 بي المتحدة للدعاية والإعلان في الامارات العربية المتحدة أنشأت حيا إسلاميا ( شارع التراث الإسلامي العالمي) على مساحة 250 ألف متر مربع في ينجوان عاصمة نينغشيا، و قد مولتها المؤسسات الخيرية في دول الخليج ، وذلك بهدف إنشاء جسر يربط العالم الإسلامي بالصين.
كما ركبت الصين موجة القوى التي تدعم نشر التشيع بين مسلمي أهل السنة والجماعة ، وبعثت مئات الطلاب الصينيين إلى الجامعات والمدارس في قم منها المدرسة الحجتية و جامعات قم والمصطفى العالمية والزهراء وغيرها ، مع أن المسلمين في الصين كلهم من أهل السنة والجماعة ، ما عدا أقلية إسماعيلية في منطقة تاشقورغان في شينجانغ ( تركستان) ، واحتفل الشيعة في بلدة ايبو القريبة من مدينة شنغهاي بذكرى ولادة الإمام الغائب في حسينية أبي الاحرار في ليلة النصف من شعبان، بيد أن القصائد تغنت بذكرالحشد الشعبي وفتوى المرجعية العليا بالجهادالكفائي، كما احتفل الطلاب الصينيون مع الملالي في فرع جامعة المصطفى العالمية في جرجان بالعام الصيني الجديد في 7 فبراير 2016 ، و وكالة أنباء القران العالمية الإيرانية أرسلت القارئين مهدي غلام نجاد و السيد مصطفى حسيني لزيارة مساجد المسلمين في بكين ولانجو ولينشيا بمناسبة شهر رمضان المبارك 1437، ففي أورومجي عاصمة شينجانغ (تركستان) حيث الأغلبية المسلمة من أهل السنة افتتح الاسبوع الإيراني في يوم 23 اغسطس 2016وهذا ما دعا الشيخ يحيى البوليني يقول: (انقذوا مسلمي الصين من التشيع قبل فوات الأوان ) في مقاله المنشور في موقع رسالة الإسلام بتاريخ 10/5/2016 ،
وبالطبع هذه الحريات الدينية التي يتمتع بها المسلمون الصينيون ويلاحظها السائحون في الصين من العرب والمسلمين والتي يروج لها الإعلام الصيني تنتشرفي الصحف العربية حينا بعد حين.
ولنا أن نسأل رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وهي أقدم مؤسسة إسلامية عالمية و لها صلات قوية بالجمعية الإسلامية الصينية المركزية وفروعها في مناطق المسلمين من قبل أن تبدأ العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية ، هل لها أو كان لها منشط ثقافي إسلامي في الصين خلال علاقاتها الطويلة معها ؟
ثم هل المسلمون الصينيون الخوي يتمتعون بحق بكامل حرياتهم الدينية كما يصوره الإعلام؟
والاجابة على هذا السؤال يحتاج إلى دراسة الأمور دراسة علمية بعيدة عن الدعاية الإعلامية والضغوط ، و لكن عدم مناسبة الاستطراد في المقال الصحفي يحول بين شرح ما يتطلبه الموضوع من تفصيل والاكتفاء بتقديم نماذج تلقي الضوء على الواقع.
فالصينيون لهم وجهة نظر مختلفة شرحها الكاتبان الصينيان زانغجيانفانZhang Qianfan و زويينغبينغZhu Yingpingفي بحثهما بعنوان (الحرية الدينية و قيودها القانونية في الصين Religious Freedom and Its Legal Restrictions in China) المنشور في العدد الثالث من مجلة BRIGHAM YOUNG UNIVERSITY LAW REVIEW الصادرة في سبتمبر 2011، وأما الدكتورعيسى ما Isa MaZiliang، وهو مسلم صيني محاضر في جامعة ماليزيا ، فقد شرح ما يعانيه الشباب المسلم من مضايقات في بحثه بعنوان : الشباب المسلم في الصين ومشاكلهمMuslim youths in China and their problems
وقد انتشرت في مقاطعة كانسو فيديو لطفلة مسلمة صينية ( خوي) عمرها خمسة أعوام تضع الحجاب الأسود على رأسها وتتلو آيات من القران الكريم في روضة الاطفال من بلدة لنشيا الإسلامية تناقلتها وسائل الاعلام الصينية التي اعتبرتها تحديا لنظامها الشيوعي مما جعل الرئيس الصيني شي جين بينغان يقول في مؤتمر الأديان الذي عقد في بكين في يومي 22و23 ابريل 2016:
"لا يجب على الأديان ان تتدخل في إدارة الحكومة والقضاء والتعليم بأي حال من الأحوال"
In no way should religions interfere with government administration, judiciary and education.
وقال الرئيس شي :"لا يجب عليهم السعي لتحقيق قيمهم ومعتقداتهم من الأديان" ، وأضاف قائلا : "يجب بذل الجهود لمساعدة المراهقين من تكوين نظرة علمية للعالم ، وتوجيههم نحو العلم ، ودراسة العلوم ، و تعزيز العلوم"
They must not seek their own values and beliefs from religions, Xi said, adding that efforts should also be made to help teenagers form a scientific outlook of the world, and guide them to believe in science, study science and promote science.
(وكالة الانباء الصينية شينخوا Xinhua 24.4.2016
وعلى أثر ذلك أقيل وانغ زنغويWang Zhengwei رئيس لجنة الشؤون القومية من منصبه وهو مسلم من قومية خوي في 28 ابريل 2016
James Leibold,Creeping Islamophobia: China’s Hui Muslims in the Firing Line, China Brief,Vol.16.Issue 10 , June 21 ,2016 p.12-15
وصدرت الأوامر المشددة من مديرية التعليم في مقاطعة كانسو بمنع التعليم الإسلامي في المدارس (Chinese Province orders religion out of School , Fox News , Associated Press May 6,2016)
Beijing Restricting Hui Islam While Courting Tourists , China digital Times,August 20,2016
وأما الفئة الثانية وهم المسلمون في مقاطعة شينجانغ الذاتية الحكم لقومية الأويغور (تركستان الشرقية) ، وتضم القوميات الإسلامية المذكورة أدناه وعددها بموجب الإحصاء الصيني لعام 2010وهي :
الاويغور 10,367,958
القازاق 1,462,588
القيرغيز 186,708
تاجيك 51,069
الأوزبك 13,370
التتار 5,064
ومجموع عدد أفراد هذه القوميات الإسلامية الست : 12,086,757نسمة ، و هم يمثلون أكثر من نصف عدد المسلمين في الصين الذين يقدر عددهم 23,357,657نسمة ، والمعروف أن الصين تعترف بعشر قوميات عرقية مسلمة و أفرادها هم المسلمون في الصين مع أن هناك مسلمون من عرقيات صينية (هان) والتبت والمانشور، و لكن لايشملهم التعداد أوالتصنيف .
والمسلمون في شينجيانغ (تركستان) و هم أكثر من نصف مسلمي الصين حسب التعداد الرسمي ، فإن حكومة الصين الشعبية تميزهم في الحقوق والحريات، فما يتمتع به المسلمون الصينيون (الخوي) في الصين يحرم منه المسلمون في تركستان ، وهو أمر أكدته الدراسات العلمية التي قامت بها مؤسسات عالمية وباحثون اكاديميون ومن ذلك :
- نشرت الدكتورة اريانا شوري بحثا بعنوان (الخوي والاويغور : مقارنة في العلاقات مع حكومة الصين ) ، في ربيع عام 2013
Ariana Shorey : The Hui and the Uyghurs : A Comparison of Relations with the Chinese State,University of Washington Tacoma Digital Commons , Spring 2013
- نشرت اللجنة الخاصة بالصين في الكونغرس الامريكي نتيجة جلستها الثانية للمؤتمر 108 بعنوان (ممارسة الإسلام في الصين اليوم : اختلاف الوقائع بين الأويغور والخوي) وذلك في17 مايو 2004
Practicing Islam in Today`s China: Differing Realities for The Uighurs and The Hui, Congressional-Executive Commission on China, 108 Congress,
Second Session , May 17,2004
- وفي تقرير نشرته وزارة العدل الأمريكية أثبتت الاضطهاد الديني الذي يمارس على الأويغور دون المسلمين الصينيين (الخوي)
Treatment of the Uyghur Ethnic Group in People`s Republic of China , File 2015-011997, March 2015 , Report for U>S> Department of Justice
- مع منع تدريس الإسلام والقران الكريم في مساجد تركستان بعث المسلمون الأويغور ابنائهم إلى مساجد الخوي في مقاطعات كانسو ونينغشيا ويوننان وجنغهاي حيث يتعلم أبناء المسلمين مبادئ الإسلام والقران ، ولكن السلطات الصينية أمرت مسؤولي المساجد والمدارس بترحيل الطلاب الأويغور إلى بلادهم ومنعهم من التعلم ، وقد أشار إلى ذلك الدكتور ماثيو في كتابه Matthew S.Erie: China and Islam, The Prophet, the Party and Law,Oxford University Press, 2016
- المرأة المسلمة التي ترتاد المساجد و تصلي وتتعلم أمور دينها في مساجد المسلمين الصينيين (الخوي) ، وتتزين بزيها المحتشم الاسلامي في أنحاء الصين ، تمنع من هذا الحق في تركستان، كما يمنع الشباب التركستاني المسلم وأبناء الأويغور من الصلاة في المساجد و تعلم القران الكريم و مبادئ الدين الحنيف ليس في المسجد فحسب بل في البيت.
والإعلانات الحكومية منتشرة في مداخل المساجد والشوارع الرئيسة في تركستان تحذر المسلمين من تعليم ابنائهم الاسلام وادائهم الشعائر الاسلامية ، بل وتمنع المسلمات التي يضعن الحجاب على رؤوسهن من ركوب الحافلات و ارتياد المستشفيات والمدارس والمباني العامة واصحاب اللحى يجبرون على الحلق ، وإلا السجن لمن يعترض ، ويتم تفتيش الجوالات و إذا وجدت فيها نصوص دينية يعتقل ويسجن.
وهذه الفوارق في ممارسة الحقوق والحريات الإنسانية بين المسلمين الصينيين و المسلمين الأويغور وهم يعيشون في دولة واحدة سجلتها اقلام المسلمين وغير المسلمين الذين كانت لهم زيارات مثلا لمقاطعة نينغشيا الذاتية الحكم القومية الخوي المسلمة ومقاطعة شينجانغ الذاتية الحكم لقومية الأويغور (تركستان) ، حتى ان بعض المراسلين الصحفيين مثل حنا بيتش نشر مقالا في التايم في عددها الصادر بتاريخ 12/8/2016 بعنوان: (إذا كانت الصين ضد الإسلام ... لماذا المسلمون الصينيون يتمتعون بممارسة عقيدتهم ؟ HannehBeech : If China is Anti-Islam, Why are these Chinese Muslim Enjoying a Faith Revival ?Time, August 12,2014
و على من يدعي تمتع المسلمين التركستانيين بالحريات الدينية أن يثبت هل في مساجد تركستان نساء وشباب يتعلمون أمور دينهم ويحفظون القران الكريم ، ويصلون كما يفعل إخوتهم في مساجد المسلمين الصينيين (الخوي)، وقد نشر معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد السابق لرابطة العالم الإسلامي في كتابه (جولة في تركستان الشرقية تحت حكم الشيوعية ، دار نشر الهداية 1437) ما شاهده في هذه البلاد الإسلامية.
وأما موضوع منع الصيام في شهر رمضان المبارك ، فقد بدأ تطبيقه في مقاطعة شينجانغ (تركستان) منذ ثلاثة أعوام و أكده معظم مراسلي وكالات الأنباء العالمية من رويترزReuters، فرنس أجنسي France Agency,اسوشتيد برسAssociated Press واستنكرتها الهيئات الإسلامية العالمية : رابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقه الإسلامي ، الازهر الشريف ، الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وغيرها ، حتى أن امريكا طلبت من حكومة الصين منح المسلمين في شينجانغ حرية العبادة ، كما جاء على لسان المتحدث الأمريكي (The Financial Express June 29 ,2016)
وأمام الضغوط الخارجية و بخاصة على إثر دخولها مع روسيا وإيران في دعم نظام الأسد اضطرت حكومة الصين أن تصدر كتابها (حرية العقيدة الدينية في شينجانغFreedom of Religious Belief in Xhnjiang , China Daily 2/5/2016 ) الذي تتدعي فيه بالحريات الدينية التي يمارسها المسلمون في تركستان ، و باكستان الملاصقة لحدود شينجانغ بالصين و لها علاقات وثيقة معها، نشرت فيها جريدة الفجرDawn بتاريخ 6/6/ 2016 بعنوان : الصين تمنع رجال الحكومة والموظفين من الصيام في رمضان China restricts fasting in Ramazan forXinjiang govt staff, minors ، ثم طلبت الصين من باكستان ارسال وفد يرى المشاهد التي صنعتها لإظهار الحرية الدينية المزعومة و قد بعثت وفدا برئاسة الشيخ ظهير الرحمن المدير العام لمركز أبحاث نور الإسلام شاه في وزارة الشؤون الدينية وخطيب مسجد الملك فيصل كما جاء على لسان الأستاذ نور الزمان المتحدث الرسمي لوزارة الشؤون الدينية ، وجريدة الفجر التي نشرت الخبر أكدت على أن الصين تمنع منذ سنوات الموظفين المدنيين والطلاب والاطفال من الصيام لأن الحزب الشيوعي الملحد هو الذي يدير الحكم.
Pakistani delegation off to China to'observe' fasting ban in Xinjiang, Dawn, June 29 ,2016
وهذه شهادة من باكستان حليفة الصين على ما يعانيه التركستانيون من اضطهاد ديني.
والحقيقة المؤلمة المعاصرة حاليا أن حكومة الصين سمحت ل14500 مسلم بالحج هذا العام 1437 منهم فقط 3700 حاجا من شينجانغ ( تركستان) يأتون على 22 رحلة جوية من أرومجي عاصمتها ، والباقون من المسلمين الخوي، مع أن المسلمين في شينجانغ هم الأكثر حسب الإحصائية الصينية ، وعلى هذا اضطر المسلمون من تركستان على القدوم إلى استانبول بتركيا و عددهم أكثر من الف شخص يلتمسون منحهم تأشيرات الحج ، و لو عدلت الحكومة الصينية معهم و ساوت بينهم و بين مسلمي الخوى ما اضطر هؤلاء على تجشم هذا العناء ، وأدعو الله أن يحقق خادم الحرمين الشريفين حفظه الله رغبتهم و يتيح لهم الحج.
والله الهادي إلى سواء السبيل
توختي اخون اركين
مؤلف كتاب "قراءات في قضية تركستان الشرقية"